راتب عبابنة
لا يجد المتابع عناءا لما يدور داخل البلد وارتباطه من قريب أو من بعيد سواء طوعا أو قسرا أن الوضع جد خطير حيث نلمس أن التخبط بالقرارات وعدم انسجامها مع التطلع والتمني والاحقية التي يصدح بها المواطن بكل الوسائل هو سيد المشهد العام. المواطن يتلقى الصدمة تلو الأخرى دون أن يكون لديه المجال للخروج من إحداها حتى تصدمه التالية.
فالإصلاح بشتى أشكاله له لوازمه ومقتضياته وأدواته الواجب توفرها قبل البدء بمراحله وتفاصيلها. فعند الحديث عن الإصلاح السياسي، لا يكفي الإفصاح عن النية بالشروع به ونحن نرى الجمود والتقوقع داخل نفس النهج الذي بات إصلاحه من الضرورات الملحة مازال يراوح مكانه دون أن نلمس أي دليل على صدق النوايا المعلنة. الجدية بالتغيير يمكن أن تتحقق من خلال مراجعة القوانين وتعديلها لتتلاءم مع المطالب والإحتياجات العامة للشعب لأن الحكومات وهي السلطة التنفيذية وجدت لخدمة الشعب والبحث عن كل ما ينسجم مع تحقيق العدالة والمساواة وهما مطلبان أقرتهما الشريعة الإلهية والنواميس العالمية والديموقراطية المزعومة التي يقال عنها حرية سقفها السماء.
من متطلبات الإصلاح اختيار من لديه النية والرغبة والغيرة والعزيمة نحو تحقيق الإصلاح. والإختيار السليم للأشخاص الفاعلين لا نراه محققا، بل ما نراه أن الإختيار يقوم على أساس من التنفيع والصداقة والمحسوبية والتوريث المرض المستعصي. لذلك لا نوايا جادة بالإصلاح والتغيير والتصحيح.
ومن أشكال التخبط أن الرسميين وبسبب سوء اختيارهم وعلى الأرجح أن يكون ممنهجا كأن ينسبون بناء مستودع في بلدية أنه إنجاز على طريق الإصلاح وحسب توجيهات سيد البلاد. وبذلك يظلمون الملك ويسيؤون له عندما ينسبوا تقصيرهم الذي يسمونه إنجازا للملك. الملك يعطي خطوط عريضة وتوجيهات عامة وربما محددة تتعلق بأمر لأهميته. ونصدم عندما نرى السلطة التنفيذية تغرد خارج سرب توجيهات جلالته.
الإصلاح إن كتب له أن يتحقق، فلا يستقيم ذلك بسن قوانين قاسية وضاغطة تخرج المواطن عن صبره وتقتل الأمل لديه ويصبح محاصرا بلقمة عيشه ورأيه مصادر وحريته مكبوتة وفمه مكمم. من أساسيات النجاح بالتصحيح إشراك المواطن والإستئناس برأيه وتوجهه ليكون شريكا متعاونا مع القرارات وقبولها. عندما شرعت حكومة د. الرزاز بذلك وقد فشلت، فهي كانت تعلم جيدا رأي المواطن بما حاولت إقناعه به. كما تعلم أن ألمواطن يعلم أنها تحاول تمرير ما هو رافض له. فذلك يدلنا على استغباء المواطن واستفزازه.
ثم يأتي قانون الجرائم الإلكترونية ليزيد الطين بلة ضمن منظومة التحريم والتجريم مما يستدعي بناء السجون كما قال الناشط طارق أبو الراغب. فالإصلاح وتعديل المسير لا يتحقق بالتغول وتغليظ العقوبات والغرامات، بل بخلق هامش من الحرية المسؤولة تعود بالتغذية الراجعة من خلال مجسات الجهات المعنية لإثراء القوانين وتعزيز الصالح منها وإلغاء أو تعديل ما هو غير منسجم مع التوجه العام.
القوانين الضاغطة والقاسية خبرناها “تشرع” عند الإنقلابات والثورات لتثبيت الحكم الجديد ثم يتم تخفيفها شيئا فشيئا عندما تستقر الأمور ويتمكن الحكم الجديد من ضبط وسائل الحكم. فهل ما نراه من تضييق هو ضربة استباقية توجسا من وقوع خطر لا قدر الله؟؟
الشعب لا يرغب بغير الهاشميين الأصلاء حكاما وتلك ثابتة من الثوابت ويتوقع من سليلي آل البيت أن يرتقي الأردن بما خصه به دون غيرهم ليتناسب الأداء الحكومي مع واقع حكم نرتضيه ولا نقر بغيره. فالحكومات غير مؤتمنة على الشعب. وقوانينها تدفع بالشعب نحو الخروج عن كل ما كان يعتبره ثابتا. والحكومات باتت بحاجة للرقابة والمتابعة والتحقق من أدائها الذي حدى بالناس ان تخترق ما اعتبر محرما وخرقا للسقف. والحكومات المتأخرة خلقت فجوة بقصد أو بغير قصد لا يجسرها إلا تصحيح الأداء وتغيير ما يجب تغييره.
التجارب علمتنا أن القول إذا لم يقترن بالفعل المترجم له فإن النتيجة تكون شراءا للوقت والتهدئة التي بات المواطن يعلمها وهي تذهب بحقوقه ومستحقاته المواطنية والوطنية. والإصلاح لا يتأتى إلا بقرار سياسي يمهد للولوج بنهج جديد عادل يكنس العفن والفساد والفاسدين، إذ هنا وعلى هؤلاء يجب ان تغلظ العقوبات لمحاسبتهم على ما اقترفوه من إساءات بحق الشعب والوطن. أما أن يكون المواطن مستهدفا بالتشريعات والقوانين لإثقال كاهله، فتلك رسالة بأننا مازلنا نبتعد عن الإصلاح الذي يطمح له الشعب.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.