كمال زكارنة
هكذا يصف العقلاء والكبار الجوع بانه كافر،والكفر اشد حالات الوصف بسبب فظاعة وبشاعة القسوة والوحشية ،والاثر الفتاك الذي يصنعه ويتركه الجوع على الجوعى ،لانه يهدم اجسادهم وصحتهم ويقهرهم ،ويحولهم الى هياكل عظمية منهارة ،ويفقدهم مناعتهم ،وينتهي بهم بالموت،لكن اي موت اصعب من الموت البطيء.
هذا هو حال قطاع غزة اليوم ،بدأت ظاهرة ودائرة الجوع ،او بمعنى ادق التجويع، تنتشر وتتسع بشكل سريع جدا،واصبحت عاصفة قاتلة تجتاح القطاع من شماله الى جنوبه، بسبب عدوان الاحتلال والحصار المحكم والمطبق، الذي يفرضه مثلما يلتف السوار حول المعصم.
الجميع ينطر الى غزة ويقيم الحرب من زوايا محددة،الصمود الشعبي الاسطوري ،وبطولات المقاومة ،وخسائر الاحتلال المعتدي،واعداد الشهداء والجرحى والمفقودين، والدمار والخراب ،وقدرة الغزيين على تحمل آثار العدوان ،وصمودهم في وجهه وتحديهم وتصديهم له،لكن هناك الزاوية المظلمة الني لا نراها ،وهي الجوع والمرض ،فقد يستطيع الكبار الذين تحملوا وصبروا كل هذه الايام ،وتقبلوا الاستشهاد والجراح والدمار،ان يتحملوا الجوع ومضاعفاته،لكن كبف لهم ان يصبروا على جوع ابنائهم واطفالهم وكبارهم .
غزة تذكرنا اليوم ،بمذبحة سريبيرنيتشا في البوسنة والهرتسك ،حيث مات آلاف الناس جوعا بعد ان تحولوا الى هياكل عظمية وسط الغابات ،التي احتجزوا فيها .
تلك المذبحة التي شارك بها الاوروبيون اما فعليا واما صمتا،حيث نخلوا عن دورهم الانساني المناط بهم.
غزة على وشك ان تصل الى حالة الاحتضار جوعا ومرضا ،بسبب العدوان العالمي والحصار العالمي المفروض عليها ،بحجة حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها، وهي القوة القائمة بالعدوان والاحتلال.
ستبلغ غزة حالة الاحتضار ،اذا نجح العدوان بالالتفاف واغلاق محور فيلادلفيا ومعبر رفح ،بعد احتلال الحد الفاصل بين مصر والقطاع،حيث يتم اغلاق المنفذ الاخير ،وقطع الشريان الوحيد الذي يتنفس منه ببطء شديد اهالي قطاع غزة جميعا.
بالجوع والتجويع تكتمل اركان الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة ،وتمتليء مساحة القطاع بالموت،ولم تعد هناك اية مساحة صغرت ام كبرت،للسياسة والدبلوماسية،التي سد نتنياهو وحكومته جميع منافذها منذ اليوم الاول للعدوان.
انقاذ مليونين ونصف المليون فلسطيني من الابادة الحتمية والموت المحقق، يتطلب بذل كل ما يمكن من جهود لوقف الحرب فورا على غزة،اما الحياد فهو ضوء اخضر لاستمرار العدوان ،ولا مجال للوقوف في الوسط.