ابراهيم السواعير
انطلقت أمس في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية أعمال الدراسة المسحيّة التي ينفّذها المركز بالتعاون مع وزارة الثقافة حول اتجاهات المثقفين وقادة الرأي نحو الأولويات الثقافية الوطنية للعشر سنوات القادمة 2020-2030؛ ولكوني مُدرجاً ضمن عيّنة الاستطلاع، أودّ أن أبارك المحاور الأساسيّة لهذه الدراسة؛ كبادرة مهمة جداً ووعي واضح في بناء الإطار الاستراتيجي الوطني الثقافي للعقد القادم، لوضع خطّة تعتمدها الوزارة والمؤسسات الثقافية، كما أكّد وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي عند توقيع الاتفاقية في كانون أول الماضي.
فقد اتسمت الدراسة بالشمول، في محاور ذكية ومدروسة لا تربك أفراد العيّنة في تفصيلات كلّ محور مستوفٍ لشروط دلالته غير المتشعّبة وخياراته التي تعطي حريّةً مبنية على المفاضلة بين الفقرات تبعاً لتلقي المستجيب ورؤيته وفهمه للأولويات، وأيضاً لابتعاد المحاور وتفصيلاتها عن الإجابة الوصفيّة الغنائيّة إلى التأشير على البدائل المطروحة والاختيار من بينها، وهي بدائل أقل ما يقال عنها أنّها جاءت مخاضاً لتصميم استمارة ملمّة جيداً بكل الأبعاد الثقافية التي تحتاجها الوزارة والمؤسسات العاملة، بل وتتنافذ على آفاق ثقافيّة ذات طابع فكري رؤيوي، من مثل القيم والقناعات والتركيبات الاجتماعية ومدى جدواها بين الأمس واليوم وهل مسّها التغيير، وما يتعلق بمصادر تشكّل تهديداً للأمن الثقافي، ومحركات الثقافة المجتمعيّة في الأردن.
ولا بدّ من الإشادة بمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في تعاونه مع وزارة الثقافة نحو الاستراتيجية الثقافية، إضافةً إلى برنامجه الموضوعي والمليء والمهم في مسوحاته المتنوعة في السياسة والاقتصاد وتقييم الحكومات وقوانين الانتخاب الجديدة وإصداراته القيّمة والورش التي يعقدها والاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي يوقعها، وبرنامجه الأكاديمي والبحثي والمواكبة التي يحرص عليها،… لأنّ إيمان الوزارة بالمركز كجهة متخصصة وذات خبرة في مجالها، هو ما يجعلنا نثق بمخرجات هذه الدراسة، ويؤكّد الموضوعية التي يتمتع بها الدكتور باسم الطويسي بأنّ مديريات الوزارة في المركز والمحافظات- على وجاهة خبرتها ومراسها في العمل الثقافي في العاصمة أساس الفعل الثقافي والمحافظات وفي برامج الوزارة التي يبدو أنّ بعضها شاخ وانتهى عمره ويحتاج هيكلةً أو تجديداً أو الولادة بثوب جديد،..يبدو أنّها تحتاج إلى دراسة جادّة مكاشفة هي انعكاس لرؤية المتعاطين مع الوزارة والذين هم على معرفة بتفاصيلها، وعلى هذا فإنّ خروج الدكتور الطويسي من جدران المجاملة إلى نافذة التخصصية هو ما يحسب للوزارة في ما يتم بناؤه من خطّة على هذه الدراسة، كالتحديث أو الإلغاء أو الدمج أو التفكير بشأن مديريات ربما هي منسوخة أو مكررة في مديريات أخرى، ومثل ذلك في برامج ومشاريع يمكن أن نتجرأ على قرائتها في آليّتها وميقاتها ومخرجاتها واستنفادها لإطارها الزمني مثلاً، فاحترام وجهة النظر الثقافية المنقولة بالمسح بالعيّنة لقادة الرأي والمنخرطين بالشأن الثقافي، يضع المؤسسة الثقافية أمام اختبار حقيقي في تقييم أدائها وقراءة واقعها وحضورها المحلي وخارج الوطن،.. ولذلك فالخطة الثقافية المأمولة لعشر سنوات ستكون استندت إلى إطار حقيقي غير مجامل، على قناعتنا بما يتمتع به كادر الوزارة من خبرة وتعامل يومي واشتباك مستمر وإيجابي مع مفردات العمل الثقافي، لكنّ ذهنية الموظف الذي يعرف كلّ شيء ولا يتنافذ على مجتمعه الثقافي يبدو أنّها ذهنية باتت على محكّ التجديد والإيمان بالتغيير والاختصار والتعديل والدمج، وحتى الإلغاء.
وقد تناولت محاور الدراسة موضوع المشاركة في كتابة الأعمال الثقافية الفنية والأدبيّة- على التفصيلات المعروفة في مفردات هذه الحقول- وحضور ومتابعة الأنشطة والفعاليات والبرامج الثقافية، وموضوع المكتبات العامّة والمنزليّة في فائدتها ومدى زيارة الجمهور لها، وكذلك برامج وزارة الثقافة ومشاريعها، وتقييم محتوى المجلات الثقافية الأردنية ومقارنتها بالمجلات العربية والدولية، والنشاطات التي يجب أن ترتكز عليها وزارة الثقافة، وكذلك مدى إسهام النشاطات التي تقوم بها الوزارة، بأنواعها المختلفة، في تعزيز الهوية الوطنية في الأردن، ومدى الاعتقاد بالمراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة في المحافظات بوجوب تبنّيها للأجندة ذاتها والفعاليات الثقافية أو جوب أن تختار أجندتها وفعاليتها بناء على خصائص كلّ محافظة، ومدى الحضور الثقافي الأردني في الخارج، ومصادر تهديد الأمن الثقافي، وتقييم واقع الإنتاج الثقافي في المجالات والمشاريع الثقافية، ومحركات الثقافة المجتمعية في الأردن، ومدى التغير الذي طرأ على أمور مرتبطة بالمجتمع الأردني من وجهة نظر أفراد العينة من خلال اختيار أحد المتغيرات المطروحة.
والناظر في المحاور أعلاه، وما تتفرّع عنه في الاستمارة قيد المسح، يجد أنّ كلّ محور يمكن مناقشته باستفاضة، نظراً للحاجة إلى كسر الأغلال التي يسيّج بها في أننا دائماً ما نستمرئ السكوت حياله أو المراكمة عليه، ونحن نعلم أنّه لا بدّ وأن يكون اشتمل بفعل الزمن على نمطيّة ما في التطبيق وأخطاء في الممارسة، وقد كانت حاولت الوزارة أن تؤسس لمؤتمرات تتناول مواضيع معيّنة فتناقشها على الملأ في أوراق بحثية وخبراتيّة، غير أنّ الدراسة بالتأكيد ستفيد كثيراً عند الإعلان عن نتائجها بالنسب الدّالة المتمخّضة عن كادر مركز الدراسات الاستراتيجية المُدرّب جيداً على بنود الاستمارة وحياديّة طرح السؤال عبر البدائل التي تغطّي هذا المحور أو ذاك في الدراسة.
فماذا- على سبيل المثال- لو جاءت النتائج لتؤكّد قيمة مشروع مكتبة الأسرة الأردنية أو الحاجة إلى إعادة النظر فيه، وكذلك مديرية ثقافة الطفل، أو مديرية التراث؟!..، وماذا لو تأكّد لدى الوزارة أنّ الصلاحيات الممنوحة للمراكز الثقافية ومديريات الثقافة في المحافظات يجب أن تتعزز أو تستقلّ وفق خصوصيات كلّ محافظة مع الاتفاق في جوهر العمل الثقافي وفق فلسفة الوزارة وأهدافها كجهة ممثلة للفعل الثقافي الرسمي في الأردن؟!.. وماذا لو نادى كثيرٌ من أفراد العيّنة بإنشاء مديرية للموسيقى في وزارة الثقافة، أو حتى باستحداث وحدة لهذا الفن الحضاريّ، أو لم يلتفت كثيرٌ منهم إلى ذلك اعتقاداً بجدوى ما تقوم به مديرية تدريب الفنون- مركز الفنون الجميلة- التابعة للوزارة؟!… وماذا لو طالبوا من واقع الاستمارة بمجلة متخصصة للفنون يتم فصلها عن مجلة أفكار مثلاً؟!… والحقيقة أنّ مثل هذه المخرجات وأكثر ستعطي مؤشراً واضحاً وسنداً قويّاً لخطّة ذكية تلبي العشر سنوات القادمة، في تقييم النتاج الثقافي والفني في الأردن ومدى قناعة القطاع الخاص وشراكته مع وزارة الثقافة، ومدى فهم الناس للثقافة وتبنّيها في سلوكهم وتفاؤلهم ومرجعياتهم الاجتماعية أو القانونية أو أجندات الحب والتسامح التي باتت مطلباً يتوحّد عليه الأردنيون في خدمة بلدهم وتطويره والسير به نحو محطات جديدة من الرقي والتقدّم الذي يُدمج فيه الشباب الأردني في الفعل الثقافي وهم عدّة الوطن ومستقبله المشرق بإذن الله.