يتمتع بلدي الأردن بعلاقات طيبة و متوازنة مع كل من أوكرانيا التي أعلن رئيسها فلاديمير زيلينسكي عن تضامن بلاده مع الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني “حفظه الله” بالحفاظ على أمنه واستقراره (الدستور. 14 4 2021), وروسيا الاتحادية, والولايات المتحدة الأمريكية, ومع تركيا, الأمر الذي يتطلب مني ككاتب إعلامي ومراقب سياسي أن امسك بقلمي من الوسط, ولأن أتمسك بالموضوعية, وبالرأي والرأي الآخر, آملا ذات الوقت أن يتسع صدر كل دولة هنا يتم التطرق لدورها في الملف الأوكراني لنصل معا للسلام المنشود, ولاتوجد حرب باردة أو ساخنة في المقابل لا تنتهي إلى سلام, ومثلي الحربين العالميتين الأولى والثانية ( 1914 1918) و ( 1939 1945), وحتى ماله علاقة بالحرب اليابانية – السوفيتية عام 1945 في إطار نهاية الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بسيطرة الاتحاد السوفييتي على جزر الكوريل من دون توقيع معاهدة سلام كان يجب أن توقع عام 1993, واصل التبادل التجاري عمله بين اليابان وروسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي وبحجم ملياري كبير)أكثر من 18 مليار دولار), وسمح لليابانيين بالعمل والسكن فوق جزر (الكوريل), والتصاهر مع الروس, مع بقاء السيادة عليهن لروسيا الحالية بعد الإنهيار السوفييتي عام 1991.
أوكرانيا بلا شك دولة مستقلة عن الاتحاد السوفييتي, وهي عضو مؤسس للأمم المتحدة منذ عام 1945, ومساحتها أكثر من 603 الف كلم2, وعدد السكان يزيد على 43 مليون نسمة, وهي من الجمهوريات التي تمردت على البناء السوفييتي السابق وعلى روسيا الاتحادية تحديدا مثل جورجيا والبلطيق. واختلفت مع تاريخها في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي فيما يتعلق بالمجاعة السوفيتية العامة Golodomor)) واعتبرتها موجهة لها فقط, وذهبت لإعادة صياغة تاريخ الحرب العالمية الثانية (الوطنية العظمى) معتبرة السوفييت سببا في بداية الحرب وليس حلف أودولف هتلر ومنظومته النازية عام 1939 . وبقيت الحالة الروسية – الأوكرانية واحدة قبل عام 2014 خاصة في عهد الرئيس المخلوع (فيكتور يونوكوفيج) الموالي لموسكو, وإبان الحقبة السوفيتية عاش السوفييت ومنهم الأوكران والروس حالة العائلة الواحدة, و لازالت المناطق الحدودية بين روسيا وأوكرانيا تتكلم لغة واحدة ممزوجة بين اللغتين الروسية والأوكرانية , وكان (الجاتو) الأوكراني اللذيذ مشهورا في المدن الروسية ويرتحلون بالقطارات لساعات طويلة للحصول عليه من العاصمة كييف. وعلاقات اجتماعية ثنائية حميمية لم يعرف لها مثيل .
إنقلاب عام 2014 في ( كييف ) بقيادة رجل الأعمال بيترو بارشينكا و التيار البنديري, قلب الطاولة السياسية في أوكرانيا, وتعزز بقدوم الفنان فلاديمير زيلينسكي عام 2019 , و أصبح التجديف ملاحظا باتجاه الغرب, والاتحاد الأوروبي, وصوب أمريكا تحديدا, وتعاون يقترب إلى درجة التحالف مع تركيا, و إدارة للظهر لروسيا التاريخ والجارة الحدودية الهامة. وخسران أوكرانيا لإقليم (القرم) بعد 67 عاما من الاحتفاظ به منذ أن قرر الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1954 ضمه لأوكرانيا لسبب اقتصادي, ولشق نهر مائي من شأنه أن يخترق اليابسة الرابطة بين أوكرانيا والبحر الأسود. والخطوة الروسية بقيادة الرئيس والرقم الصعب والفولاذي فلاديمير بوتين تجاه ضم القرم لبلاده روسيا حسبت بدقة, وارتكزت على حسابات إنقلاب (كييف) الذي وجه أوكرانيا تجاه الغرب الأمريكي وحلفهما العسكري (الناتو), وتجاه الاتحاد الأوروبي أيضا. وعزز بوتين خطوته القرمية تلك – إن صح التعبير- بإستفتاء شعبي داخل إقليمه بلغت نسبته 95%, وهي مرتفعة جدا، وأعلن بأن القرم ذو الموقع الإستراتيجي العسكري النووي الحساس بوجود الأسطول البحري المرابط بجوار مياهه الدافئة, أصبح موطنا لعدد من القوميات مثل الروسية, والأوكرانية, والتتار, وغيرهم, وشكل الروس مانسبته 58% مقابل 24% أوكران, و12% تتار مسلمون.
الملفت للانتباه هو بأن إنقلاب عام 2014 ورغم تعميده بإنتخابات رئاسية أوكرانية عبر صناديق إقتراع فاز بها بيترو باراشينكا بنسبة 54,33% من الأصوات, وبعد فوز فلاديمير زيلينسكي عام 2019 بنسبة أكبر بلغت 70% من الأصوات, انقسمت أوكرانيا على نفسها غربا وشرقا, فأصبحت سيادة غرب أوكرانيا لكييف العاصمة وتحالفاتها مع الغرب الأمريكي , والأتحاد الأوروبي, وتركيا , وأصدقاء أمريكا في العالم من وسط الحرب الباردة التي اندلعت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 واستمرت حتى يومنا هذا, وتخندق الشرق الأوكراني في مناطق (الدونباس, ولوغانس, ودانييسك) في التحالف مع روسيا الاتحادية , وحشودات عسكرية أوكرانية على الحدود مع شرق أوكرانيا, وروسية على الحدود مع شرق أوكرانيا, وهو ما أتابعه عبر برنامج ستون دقيقة على قناة RtR)) الذي يقدمه الزوجان يفغيني (بابوف وأولغا), وتصريح ناري للرئيس بوتين يحذر فيه أوكرانيا من محاولة اجتياح شرق أكرانيا بالقوة, الأمر الذي سيعني إلحاق الضرر ببناء الدولة الأوكرانية بالمجمل. ومدير مركز الأبحاث السياسية البروفيسور الأوكراني ميخائيل بوقريبينسكي يتحدث عن إعلان زيلينسكي عزمه شن حرب على ( الدونباس ) ثم يغادر إلى بلاد العرب, وتحديدا إلى قطر, وهو أمر يتفق مع شخصيته كفنان حسب قوله.
الواقع يقول بأن فتح حرب أوكرانية غربية – شرقية أمر غير نافع وغير مطلوب, ولا حرب خاسرة يمكن أن تبدأ إلا وتنتهي بمعاهدة سلام , أو تصل من جديد إلى حالة اللاحرب و اللاسلم . وأية حرب من هذا النوع ستكون خاسرة لنظام أوكرانيا بكل تأكيد, و البديل طاولة الحوار, والعودة إلى إتفاقية ( مينسك ) التي وقعت عام 2015 , وتم تفكيكها في عهد الرئيس زيلينسكي , و كان بإمكانها أن تحافظ على الأمن الأوكراني – الأوكراني , وعلى علاقات طيبة مع روسيا الاتحادية في الجوار . وبالمناسبة يصعب إبعاد روسيا عن المشهد الأوكراني عبر تهميش اللغة الروسية, ومن خلال فصل أوكرانيا عن الزعامة الدينية الأرثوذكسية في موسكو, أو عبر العزوف عن اللقاح الروسي (Sputnik V) أو من خلال عدم التعاون الاقتصادي مع روسيا خاصة في موضوع مادة الغاز الطبيعي, أو عبر توقيف شبكة المواصلات بين البلدين الشقيقين الجارين.
فماذا تريد أمريكا وتركيا من الاصطفاف مع غرب أوكرانيا وترك النصف الشرقي تحت الحماية الروسية؟ الواضح بأن أمريكا تبحث عن مصلحتها القومية وسط أوكرانيا من خلال الحرب الباردة ذاتها, فهي لا تتفق مع ضم روسيا لإقليم القرم رغم أنه شأن روسي أوكراني مشترك, ونصيحة روسية جديدة لأوكرانيا بضرورة الكف عن المطالبة بالقرم الذي اصبح طوعا في حوزة روسيا و بأسلوب ديمقراطي عبر صناديق الأقتراع , ولا تتفق أمريكا مع تجديد روسيا لتسليح القرم نوويا، وتعتبره تهديداً لأمن العالم, وهو أمر غير مفهوم وغير واضح . ومحاولة إشعال أمريكا للجبهة الأوكرانية من جديد، رسالة توجهها لروسيا بعد – قضية المعارض (نافالني 2021) وقضية الجاسوس (سكريبال 2019 ) اللتين لا شأن لأمريكا فيهما بكل تأكيد, ولا هدف لها غير إحياء الحرب الباردة.
موقف تركيا أوردوغان من مسألة إقليم ( القرم ) عبر الوقوف مع اعتباره تابعا للسيادة الأوكرانية لا يمكن تصنيفه إلا انتصارا إلى جانب الحرب العثمانية – الروسية التي خسرتها تركيا عام 1867 , وأدت لسيطرة روسيا على إقليم (القرم) في زمن الأمبراطورة الملكة يكاتيرينا الثانية. ويفرق أوردوغان بين الحديث عن غرب وشرق أوكرانيا وبين موضوع القرم, و يدعو لإيجاد حلول عادلة لموضوع السيادة الأوكرانية على الجانب الشرقي, وسبق للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أن قلد أوردوغان وسام الدولة رفيع المستوى. وقابل هذه المعادلة إنقاذ روسيا لأوردوغان من محاولة انقلاب حتمية عام 2016, وصفت بعد كشفها لها بالفاشلة, وسبق لروسيا أن تجاوزت موضوع اغتيال سفيرها في أنقرة (أندريه كارلوف) عام 2016 , وقبل ذلك لموضوع إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية العسكرية ميغ 24 فوق الأراضي السورية و ليس التركية عام 2015 , وذهبت روسيا الى القبول ببيع تركيا منظومة من صواريخ C400 الباليستية الدفاعية عام 2020 رغم العلاقة الرابطة بين تركيا وحلف (الناتو) العسكري, و جاهزية عسكرية روسية لإنتاج شبكة صواريخ باليستية دفاعية جديدة تحت اسم C500) (عام 2025.
وتحذير لسيرجي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية من القاهرة بتاريخ 12 نيسان الجاري بأهمية عدم العبث بنيران أوكرانيا السياسية الجديدة الخطيرة. وتصريح حديث بتاريخ 14 نيسان 2021 لجريدة (كاميرسانت) الروسية المشهورة لمدير المخابرات الروسية (سكرتير مجلس الأمن الروسي) نيكولاي باتروشيف أشار فيه لاحتمال حدوث تعاون أوكراني – أمريكي لإحداث أعمال خارجة عن القانون في إقليم ( القرم). ومكالمة هاتفية جرت للتو من طرف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن مع رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين طلب خلالها بوتين تحويلها وإستثمارها للقاء شخصي طيب من شأنه ترطيب العلاقات بين البلدين العظميين روسيا وأمريكا وللمحافظة على أمن العالم.