
راكان السعايدة
لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شديد الوضوح في موقفه تجاه القضية الفلسطينية كما كان في لقائه الأخير برئيس وزراء كيان “إسرائيل” بنيامين نتانياهو وما أعقبه من تصريحات. ترمب يريد تهجير أبناء قطاع غزة (تطهير عرقي) وسيطرة أميركية على القطاع، ويريد توسيع الكيان باتجاه ما يسمى (يهودا والسامرة) مع ما يعنيه ذلك من تهجير من الضفة الغربية وضمها للكيان وفي أقله المنطقة (ج). أي أنّ ترمب واليمين الإسرائيلي الذي يقوده نتانياهو يريدون تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، مرة وإلى الأبد، وقد احتفل هذا اليمين بصورة كبيرة بتصريحات ترمب. الاحتفال وصل درجة أن إعلام الكيان نفسه قال لو أن نتانياهو ومن يتحالفون معه صاغوا خطة تصفية القضية ما كانوا صاغوها بقوة صياغة ترمب. ما معنى ذلك..؟ أن القضية الفلسطينية قيد التصفية؛ تهجير من قطاع غزة والضفة الغربية، وضم مناطقها كلها أو أغلبها للكيان، وأميركا سوف تستحوذ على القطاع. النتيجة هنا، ألّا دولة فلسطينية ستقام، وأن حل “مشكلة” الفلسطينيين ستكون على حساب الأردن ومصر بالأساس، أي تصفية القضية على حسابهما. كل هذا له معنى واحد: أن الأمن القومي الأردني والمصري، وحتمًا العربي، بات مهددًا بصورة جلية واضحة، وأن المنطقة ستدخل حالة “فوضى خلاقة” لإعادة تشكيلها من جديد على مقاس أميركا و”إسرائيل”. وترمب لديه من جنون العظمة ما سيدفعه إلى إنفاذ خطته، وهو مجردٌ تمامًا من العواطف، وقد سبق واختبر قدرته على فرض ما يريد عندما اعترف بضم الجولان للكيان والقدس عاصمة موحد له. هل هذا قدر لا يمكن الإفلات منه..؟ قولًا واحدًا: لا، ليس قدرًا محتومًا، بل يمكن مقاومته وإفشاله، وهذا يتوقف على جملة إجراءات: أولًا: موقف أردني مصري حاسم وحازم برفض التهجير واستقبال أي لاجئ، ورفض أي حل لا ينتهي بإقامة الدولة الفلسطينية. ثانيًا: تصليب موقف أبناء قطاع غزة والضفة الغربية للصمود وعدم التساوق مع المخطط الأميركي الصهيوني، وهذا يتطلب دعما بلا حدود لصمودهم وبكل الأشكال. ثالثًا: بناء جبهة عربية وإسلامية لرفض المخطط، وعقد قمم طارئة جدية، عربية وإسلامية، لرفض المخطط، ووضع خطة لدعم صمود أبناء قطاع غزة والضفة الغربية. رابعًا: الاستثمار بتصادم ترمب مع كل العالم؛ مع أوروبا وأميركا اللاتينة، وكندا والصين وروسيا، وحشد هذه الدول لدعم القضية الفلسطينية. أي: بناء جبهة أردنية مصرية، وعربية إسلامية، وعالمية أممية، لمواجهة المخطط الخطير الذي معناه العملي تصفية فلسطين والأردن، ودبّ الفوضى في المنطقة لتكون “إسرائيل” القوة الوحيدة المهيمنة عليها. ماذا أيضًا..؟ في سياق جملة الإجراءات أعلاه، نراهن على موقف جلالة الملك عبد الله الثاني، ويفترض أن نراهن أيضًا على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في التعبير لترمب عن رفضهما المطلق لخطته. الملك والرئيس المصري سيلتقيان ترمب قريبًا، ومن الواضح أن ترتيب الزيارتين للملك والرئيس السيسي للقاء ترمب جوهرها عرض خطته وممارسة الضغط للقبول بها. الأكيد أن جلالة الملك سيكرر جميع اللاءات التي عبّر عنها في غير مناسبة، التي جوهرها أن: لا حل للقضية الفلسطينية إلا بإقامة الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. ماذا علينا أن نفعل كأردنيين..؟ الحشد والالتفاف خلف موقف جلالة الملك في رفضه الخطة الأميركية – “الإسرائيلية” لتصفية القضية الفلسطينية، حماية لفلسطين والأردن. هذا وقت تصليب الجبهة الداخلية وسد جميع الثغرات لمواجهة التهديد الوجودي، نتجاوز خلافاتنا واختلافاتنا، ونؤجلها حتى زوال الخطر. سنوات ترمب ستكون عجافًا، كلها مخاطر وتحديات وتهديدات، ولا تحتمل مقاومتها والوقوف في مواجهتها أي نوع من الخلافات أوالأزمات، فوحدة الصف شرط أساسي لإفشال الأخطار.