أ. سعيد ذياب سليم
بضع مقاعد حول عدد من الطاولات ، موزعة على الرصيف، أمام مطعم شعبي، اخترنا زاوية تغمرها الشمس و تطل على الشارع ،جلسنا نتناول إفطارنا، أحدنا تجنب استخدام المخللات لما تحويه من ملح، وآخر قلل من سكر الشاي، والثالث كان يعامل ” قولونه ” بمحبة فائقة كي لا يزعجه، أو ينقلب عليه، ثلاثة أصدقاء تقاطعت دروبهم و جمعتهم الحياة في أحد فصولها، حولنا ؛جلس بعض الفتية، يتحدثون بصوت عال، سيدة تتناول إفطارها بهدوء، ترسل نظراتها في جهات مختلفة، سيارات تسير مسرعة، كهل يقطع الشارع من الجهة الأخرى، مناظر متداخلة تتألق فيها الحياة، تتحرك ، و تضيف قليلا من التوتر، وكثيرا من التوقعات، نسير معها بمحاذات أحلامنا.
فتاة جميلة فاتنة ، مثيرة لكنها خادعة، تقبل عليك بكل مباهجها، حتى إذا أمنت لها هربت منك بعيدا، لتراها متأبطة ذراع أحدهم ، تنظر إليك من طرف خفي وتهزأ بك ابتسامتها ، تلك هي الحياة.
من قال أنها كتلة من طين ؟ و لها هذا المظهر الملائكي ، هذا التنوع و الغنى ، رشيقة كراقصة ، شريرة كالشيطان، لها حنان الأم ، و وفاء بائعة هوى، شخصيتها جمعت كل التناقضات ، يركض خلفها شباب و كهول ، تدور بهم دواليبها ، ثم تتركهم تحت ثراها، نراهم من جيل إلى جيل ، لا يعقلون سرها ، ولا يتحررون من حبالها حتى تحرقهم كفراش القنديل.
ماذا نريد منها ؟ أن نسيطر على شياطين الحب و القوة والخوف ! أن نعيش بشروطنا، هل نملك الخيار لنغير من طبيعتها ؟ و هي المغامرة التي لا تنتهي إلا بالموت .
هل نسلك دروبا جديدة؟ أم يغرقنا المألوف و التكرار ويسد علينا شيطان الخوف الأفق، فنعيش في متاهة عاداتنا ولا تخرجنا منها إلا مفاجآت القدر، هل نبحث عن الحب ؟ وكيف نعلم أننا وجدناه ؟ هل هي الصداقة ؟ وما هي السمات التي نريدها في أصدقائنا، ربما ما ينقصنا ، نبحث عن ذلك الشخص المكمل لنا ، والذي يمثل كل ما يختلف عنا، النقيض الذي يجعل للحياة نكهتها وطعمها الحار.
كل منا له رحلة ” الأوديسا ” الخاصة به، والتي لا تقل جموحا وتشويقا عن رحلة ” أوليس” في خيال “هوميروس” العائد من حروب طروادة، لا تتوقف المغامرة عند حركة البورصة أو أسعار المواد الغذائية التي تزهق أنفاس “الراتب” بسرعة فائقة، ولن يكف ” قولون ” صديقي عن مناكفته، ربما نملك أعصابا فولاذية، لا تخضع لقوانين الحياة، ولن تخرجنا حركة التاريخ عن أطوارنا، حتى لو أصبح الحلم بحجم رغيف الخبز أو حبة الدواء ، ربما نهرب من الموت أو نخادعه قليلا ، لكن البعض يقابله واقفا متحديا، يصهل كالخيل ، كما وصف ” نيكوس كازانتزاكيس” في روايته بطله زوربا اليوناني عند موته.
تركنا الرصيف وسرنا في الدرب الذي خطته لنا الحياة، لن يضرنا قليل من الضغط أو السكر أو متاعب القولون، فكلها آثار صراعنا مع الحياة.