فارس الحباشنة
عيدٌ بِايَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى ام بِامرٍ فيكَ تَجديدُ
زمن المتنبي لم يقل سوء و صعوبة عما نحن عليه الان . ولو عاد لقال بيت شعره الشهير في العيد ، و لكان اشد قسوة في لعنة العيد و عودة العيد . ولوجه سؤال للبكاء على العيد ، لماذا عدت يا عيد ، وباي حال عدت يا عيد ؟
هناك شعر :قصائد و ابيات لا تموت تخلد .. لا اذكر ان طرق الباب عيدا الا تذكرت المتنبي و بيت شعره العبقري . مدارك العيد يبدو انها حزينة و قاسية ، و تشعر عندما يحل العيد ، وهذه المناسبة الاجتماعية و الدينية الاحتفالية بان ثمة وغزة و وجع في القلب .
ومن اين ياتي ذلك ؟ لا شك ان ثمة صراعا وجوديا مضادا للفرح و البهجة . و هناك قوى لامرئية تحترف حرق القلوب و سرقة الفرحة و البهجة ، و تحول الاعياد الى اتراح و ماتم ، واخبار موت و قتل و تشريد ، وجوع و عجز و قلة حيلة ، و فاقة.
لم يخطر ببال ابو الطيب ان الانسان في القرن الحادي و العشرين سيموت من «فايروس لامرئي» ، وان الانسان المعاصر بعظمة و غرور تفكيره في تقدم العلم و التكنولوجيا ظن واهما بانه اتنتصر على كل اعدائه في الطبيعة ، و هزم الفايروسات والمكيبروبات ، و عجزت السماء و الطبيعة امام عبقريته وقدراته الخارجة في تسير كل الاشياء خدمة لوجوده العدمي و العبثي في الحياة .
تراجيديا كورونا اقوى من كل الحروب و الصراعات و الكوارث الطبيعية التي اصابت الكرة الارضية منذ بدء الحياة . ولم يخطر في بال المتنبي في القرن الحادي و العشرين ان الاقتصاد الكوني معولم ، و متحكم به قوى خفية شريرة ، و ان انتاج الدواء و اللقاحات يجري في السر و تحت ضغط الاحتكارات الكبرى، و لعبة الصراعات الدولية ،ومراكز النفوذ للشركات العابرة للقارات .
وان العالم يصحو كل يوم على اخبار موت و فايروس يهتك بالحياة و الاقتصاد و الصحة .. فماذا بقى للانسان في الالفية الثالثة لكي يحتفل بحلول عيد ما . عيد ضحايا كورونا من الفقر و الجوع و الفاقة و سوء التغذية و نقص الغذاء يفوق ضحايا الحربين العالمية الاولى و الثانية ، والحروب الاهلية وغيرها في حقبة الحرب الباردة وبعدها .
الكرة الارضية تتفجر من اخبار الموت و الشقاء الانساني .. التاريخ يعيد نفسه ، ولو اني لا اومن بهذه العبارة . ولكن لا مجال في الدرس التاريخي بانكارها و تفكيكك معناها ، التاريخ يعاد انتاجه من خلال الملهاة و الشقاء و الماساة الانسانية .. هي حتما صراعية ثنائية تحكم التاريخ و صناعة التاريخ ، وصراع ابدي بين قوى العدل و الظلم ، و الحق و الباطل ، و الظلام و النور ، و العقل و الجهل ، و التنوير و التكفير .
اه ..ولو عاش المتنبي اليوم بينا ، فانه لعاد تركيب و تفكيك بيت الشعر ، ولقال ما لم يقل في العيد .. كل خطى العجز و البؤس الانساني اختصرها المتنبي في كلمة من الشعرفي بيت واحد ، وبيت شعري عبقري بالبلاغة و اللغة و مستع الدلالة و افق الاستدلال و عمق الرؤية و البصيرة الثاقبة و الحاقدة لشاعر مسكون بملكة علم الاسرار و الغيب .
و تعلمون ان اخطر ما يواجه الانسان حرمانه من حقه الطبيعي في الاحتفال بعيد و فرحة و سرور و بهجة .. وعندما يتحول الاحتفال و الفرح الى جملة معترضة واستنكارية في الحياة اليومية . فكيف يتثاب الانسان من سباته الاليم الى الحياة ؟
جوهر الاعياد هوالفرح و البهجة .. والعيد ليس مجرد يوم و ايام في التقويم الميلادي و الهجري ، ومناسبة للعطلة . العيد سرق و خطف من حياتنا ، وتحول الى مساحة زمنية للاتراح و الاحزان والمباكي على اوجاع والالام .
ما حصل في الاردن بفعل كورونا وغيرها ترك بقعا سوداء محت كل ما هو ابيض و مشرق و زاهي في صفحات المجتمع والحياة العامة . و بقى البحث عن الضحك و والابتسامة معدوما و توشك ان تاسرك الحياة بكل ما تستغرق من تفاصيل لتضحك و ليفرح قلبك و تتهز الشرايين التاجية و تظهر اسنانك في ضحكة خفيفة وابتسامة خاطفة ولو لمرة واحدة في السنة .
من حقي ان اقول للمتنبي بعد حوالي الف عام على رحيله نعم .. عيد باية حال عدت يا عيد ؟ ولان دراما الوباء لم تنته بعد ، و هناك فصول طويلة في السياسة و الاقتصاد الوبائي ، فقد تشتد عليها الحاجة بالالحاح لكي نبحث عن بصيص امل و اشراقة حياة .. و ننتظر لنرى الوجه الاخرى من الحياة و كوابيسها و مداليك اخبارها السوداء و الاليمة .
وفوق كل ذلك سنبقى من المؤمنين بالحياة و نحميها وندافع عنها ، والحياة والوطن صنوان .. فلا وطن يولد دون ارادة محبي الحياة ، وانصار الحياة ، و فالارادة تصنع الامل .. وكل عام وانتم بخير و سلام وحب .