د عماد الدين زغول
منذ عقود، يتصدر الإسلام السياسي مشهد التحولات السياسية والاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي. لكن هذا التيار، بمختلف أطيافه بين المعتدل والمتشدد، يواجه تحديات معقدة تعوق قدرته على تحقيق أهدافه، سواء في إطار الديمقراطية والتنمية أو من خلال النزعات المسلحة.
فتجربة الإسلام السياسي المعتدل، كما في نموذج حركة النهضة في تونس، تمثل محاولة جادة للمزج بين الهوية الإسلامية والديمقراطية الحديثة. بعد ثورة 2011، لعبت حركة النهضة دورًا محوريًا في بناء الديمقراطية التونسية، محاولًة تقديم نموذج مختلف عن النماذج السلطوية أو الراديكالية.
لكن القوى السياسية الحاكمه في الغرب، ومعه بعض القوى المحلية، أبدت قلقًا من صعود الإسلام السياسي المعتدل. هذا القلق ينبع من الخوف من أن يشكل هذا التيار نموذجًا جديدًا للتغيير يهدد المصالح الجيوسياسية والاقتصادية الغربية. فبدلاً من دعم التجربة الديمقراطية الناشئة، واجهت حركة النهضة معوقات داخلية وخارجية، أبرزها الانقلابات السياسية والانقسامات الداخلية، ما أدى إلى تقويض قدرتها على تحقيق نهضة حضارية شاملة.ويمكن القول بتشابه الحال في التجربة المصرية .
وعلى النقيض من تجربة تونس، يمثل العراق نموذجًا مختلفًا تمامًا للإسلام السياسي، حيث تصدرت الحركات المسلحة المشهد السياسي والاجتماعي في ظل انهيار الدولة بعد عام 2003. استغلت هذه الحركات الفوضى الأمنية والفراغ السياسي لفرض رؤيتها بالقوة، معتمدة على الأيديولوجيا الدينية كأداة للتعبئة والسيطرة.
هذه الحركات، المدعومة أحيانًا من قوى إقليمية ودولية، لا تقتصر على القتال العسكري فقط، بل تسعى أيضًا إلى ترسيخ وجودها في المؤسسات السياسية والاجتماعية. لكنها في الوقت نفسه تُعمّق من حالة الفوضى، وتشوه صورة الإسلام السياسي المعتدل، حيث يتم الربط بين الإسلام السياسي والجماعات المسلحة في الأذهان، مما يضعف فرص المعتدلين في الوصول إلى الحكم.
من الواضح أن الغرب يتبنى سياسة مزدوجة تجاه الإسلام السياسي. فمن جهة، يدعم الأنظمة الاستبدادية لضمان استقرار المصالح الاقتصادية والجيوسياسية. ومن جهة أخرى، يُظهر العداء للإسلام السياسي، سواء المعتدل أو المسلح، تحت ذريعة الخوف من تهديد المصالح الغربية أو تصدير نماذج حكم ديمقراطية إسلامية ناجحة قد تُلهم شعوب المنطقة.
هذه المقاربة المزدوجة تعزز الانقسامات الداخلية وتؤدي إلى تأجيج الصراعات، حيث يتم استخدام الإسلام السياسي كأداة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، بدلاً من النظر إليه كحركة إصلاحية قد تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية.
وبالرغم من التحديات التي يواجهها الإسلام السياسي، سواء من الداخل أو الخارج، إلا أن مستقبله لا يزال مفتوحًا على عدة احتمالات. لتحقيق النجاح، يتطلب الأمر:
1.إعادة صياغة الأيديولوجيا: بما يتناسب مع متطلبات الدولة الحديثة بعيدًا عن الاستقطاب.
2.تعزيز الشراكات الداخلية: بين الإسلاميين والعلمانيين لبناء نظام سياسي جامع.
3.بناء جسور مع الغرب: عبر الحوار والتعاون بدلاً من المواجهة.
في النهاية، يبقى الإسلام السياسي، سواء في تونس أو العراق أو غيرهما، بيدقًا في لعبة كبرى تحكمها المصالح الدولية والإقليمية. لكن الأمل يكمن في قدرة شعوب المنطقة على فرض إرادتها وتجاوز الانقسامات لصالح مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
واختم بسؤال مرتهن بالوقت للاجابة عليه، هل ستختلف تجربة الاسلام السياسي في سوريا التي تولت الحكم بجهد عسكري متواضع؟ أم ؟ أم…