د. صبري الربيحات
خلال السنوات القليلة الماضية ترددت على محافظة عجلون عشرات المرات بعضها للاستمتاع بجماليات المكان واخرى لمرافقة بعض الاصدقاء ممن يزورون الأردن ويرغبون بتذوق الريف الأردني، أو لأشارك في محاضرة او لقاء هناك. في كل مرة اغادر فيها عجلون أترك جزءا من ذاتي فيها وأتمنى لو أننا أحسنا استثمار هذه البقعة الجميلة ونجحنا في منحها ما تستحق من رعاية وعناية وتقدير.
قبل أيام كنت ضيفا على عجلون للمشاركة في حوار حول مدن الثقافة وتحديات التفاعل بين الإنسان والمكان من اجل التنمية والهوية وتحسين نوعية الحياة. وعلى الطريق الجميل لعجلون برفقة الزميل والصديق الشاعر الوزير جريس سماوي كنا نتحدث عن الكثير من العموم وعن قبرص والصين والفحيص والطفيلة وجرش وعجلون إلى ان وصلنا الى بلدة كفرنجة والتقينا العشرات من رجال وسيدات المحافظة وفي رأسي عشرات الأسئلة والخواطر التي يصعب أن تجد إجابة مقنعة لها.
من وقت لآخر تنشر وسائل الاعلام والتواصل العالمية أخبارا حول انجاز الشركات الانشائية في الصين لبرج خلال اقل من شهر او تنفيذ جسر بطول بضعة كيلو مترات خلال ستة اشهر. عند زيارتك للصين تستمع للاجابات التي يقدمها الخبراء عن النهضة التي حولت البلاد من دولة نامية يقتل الجوع والمرض الملايين من ابنائها في الستينيات ومطلع السبعينيات الى اسرع بلدان العالم نموا وثاني اكبر اقتصاد واقدرها في المحافظة على مستوى من النمو الاقتصادي واكثرها سعيا للتواصل مع العالم على ارضية الاحترام البعيدة عن الهيمنة والاستعمار.
التجربة الصينية في الانتقال من صفوف الدول النامية إلى دولة صناعية تجربة متوفرة لمن يريد التحرر من هيمنة البنك الدولي وصناديق الاقراض والارتهان، فهي غير معقدة ولا مشروطة استفادت منها عشرات الدول الافريقية في مجالات النقل والمواصلات والانشاءات وبناء السدود ومحطات الطاقة والصرف الصحي. في تنزانيا ورواندا واثيوبيا وكينيا شواهد على آلاف الكيلو مترات من السكك الحديدية والمطارات والقنوات المائية والسدود وغيرها من المشروعات غير المسيسة.
في كل مرة أتوجه جنوبا وأتحرك من تلاع العلي نحو الطفيلة اجد على الطريق شواهد على تعثرنا في كل ما نقوم به فشارع الجامعة الأردنية جرى تقسيمه الى جزر منذ أشهر تمهيدا لتنفيذ مشروع الباص السريع ليمضي اكثر من عقد من الزمن دون ان يتحقق الحلم. وما ان تقترب من نهايات شارع المدينة المنورة باتجاه السابع حتى تشاهد على اليمين مبنى البرجين اللذين بوشر بهما العام 2005 ليبقيا شاهدين على تعثر الاستثمار في بلد اقام عشرات المؤسسات التي تعنى بتشجيعه ودعمه وتسهيله.
الخط الصحراوي والباص السريع والابراج مشروعات تحت التأسيس ولا مؤشر على انها ستنتهي يوما ما. الخط الصحراوي الذي افتتح مطلع الستينيات يتذكر الناس مع كل حادثة جديدة الوعود الحكومية وبيانات نواب الجنوب والرسائل التي وزعها العشرات منهم على قواعدهم الانتخابية حول جهودهم في انتزاع التزام الحكومة بتنفيذ الطريق تارة بمسارب جديدة وتارة اخرى بفصل حافلات الركاب عن شاحنات النقل العملاقة وفي اغلب الاحيان تعبيد الطريق ونشر الارقام للاموال التي خصصت للمشروع وجهات التمويل. في كل الاحوال ما يزال الطريق تحت التنفيذ في ورشة مستمرة لا احد يعرف متى تنتهي.
السياسات الاقتصادية والضريبية والخدمية التي نقوم بها موجهة لاصلاح المالية العامة بوصفات دولية، ولا جهود حقيقية في بحث تحديات التنمية والخدمات على الارض او التصدي لها بشكل يتناسب مع طبيعتها. اليوم وبعد مرور اعوام على جر مياه الديسي الى عمان وتسكين مشكلة المياه تتبدى مشكلة نقص مياه الشرب من جديد. وفي الوقت الذي احتفلنا فيه بموسم مطري استثنائي في محافظات الشمال والوسط اطل علينا شبح الحرائق التي انتشرت بمستويات غير مسبوقة.
المدن والارياف والبوادي الأردنية تحتاج الى قيادات رسمية واهلية تنظم جهودها وتطلق طاقاتها وتقدم لها تصورات البناء والتنظيم بعيدا عن الضبط والاسترضاء والمناكفة. الولاء والانتماء للوطن يتحقق بالعمل لا بالهتافات والشعارات. من المهم ان تقود وزارة التخطيط جهود التنمية الى جانب الانشغال بملاحقة القروض والمساعدات الدولية. في القرى والارياف يقع الانتاج والعمل في ذيل اولويات الادارات المحلية فلا يجد الناس ما يكفي من التوجيه نحو العمل والانجاز ولا تدرس احتياجات المجتمعات وتراعى بالقدر الذي يجري فيه ملاحقة النوايا والافكار والاقوال.