رمزي الغزوي
تؤكد الدراسات الأركولوجية (الآثارية) أن قرية (هضيب الريح) في منطقة رم، هي أقدم منطقة في العالم زرعت الزيتون، قبل أكثر من سبعة آلاف سنة، فلا عجب إذن، أن نقرن تجذرنا بأرضنا من خلال أمنا الشجرة. فليس هناك أمتن ولا أصلب، ولا أقوى من قرمية زيتون ترينا كيف يكون التجذر والثبات والأصالة.
الزيت دم الأردنيين الثاني، العابق بحب الأرض من اللثغة الأولى، والحرف الأول. وأمهم الزيتونة، بجل معانيها الضاربة في الأعماق، وإن كانت جدتهم الوردة بكل شذاها، وبكل رحيب عطرها الفوّاح.
ولهذا طالما حار بي سؤال لحوح لجوج: هل يمكن لإنسان أن يتجذر بأرضه حد شغاف القلب؛ ما لم تكن له شجرة باسقة، تمد جذورها عميقاً؟!، أم أن الشعارات الرنانة، حول أهمية الخضرة وأشجارها قد بلعتنا، وأصبحت ظاهرة صوتية، لا تترجم على صفحات التراب، إلا من خلال عمارات تتناسل كغابة إسمنت بسرعة الضوء حولنا، في حين تنحصر مساحة الأخضر أمامنا وفينا؛ لتغدو قطعة موكيت صغيرة، تنوب عن كل حلمنا الأخضر الكبير.
ينطلق اليوم مهرجان الزيتون الثامن عشر الذي يقيمه المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي (الذراع العلمي والتقني لوزارة الزراعة) في حدائق الحسين. وإذ نحيي هذا المهرجان على استمراريته وإطلالته السنوية الثابتة والمدروسة، فإننا نعده فكرة كبيرة، صادقة لاحتفائنا بأمنا الزيتونة وإلى التعريف بجودة زيت الزيتون الأردني، وتأكيد مطابقته للمواصفات الدولية، ومن ثم فتح المجال أمام المواطنين للشراء من مصدر موثوق خصوصاً بعد شيوع حالات من غش في بعض السوق المحلية، وهو مناسبة متاحة أن نلتقي بالفلاحين الذين تعمّد زيتهم بحبات عنائهم وتعبهم.
نحن في المركز الرابع عربيا والثامن عالميا من حيث كميات الزيت المنتجة. أما الجودة فباستطاعتنا أن نحتل مركزاً أكثر تقدما بمزيد من الجهد والترويج والمثابرة. ولدينا الإمكانات والخبرات لفعل هذا الحلم.
في المهرجان سنتذوق الزيت البكر، من كل أركان قرانا وأريافنا. سنذوق زيت (الكفارات) الطافح، وزيت برما جرش الشفيف، وزيت عجلون المعطر، والبلقاء الذهب، وزيت كفرنجة الهواوي. فالكفرنجاويون يسمون زيتهم المقطوف بعد جولة مطر بالزيت الهواوي، والذي تساعد على قطفه أصابع الريح ويد الهواء.
بعيدا عن أن عدد المشاركين في المهرجان تضاعف من 120 في السنة الماضية إلى قرابة 300 مزارع وجمعية وشركة انتاجية ومعصرة زيتون، في إشارة إلى أن المهرجان غدا أيقونة تشرينية. يبقى الأجمل أننا بهذا المنجز الثري نحتفي بأمنا الأرض وأختنا الزيتونة. ونجذر هذين المعنيين في نفوس أبنائنا.