أ. سعيد ذياب سليم
في قراءتنا للرواية، ما هو الاكثر أهمية؟ البنية اللغوية، الحبكة الدرامية، التركيبة النفسية للشخصيات، الأحداث التاريخية، الموسيقى الصامتة التي تتحرك بين الأسطر، الأماكن، العطر الذي تضعه البطلة ،اللا معقول ،هل نهتم بكل ذلك أو بعض منه؟ ما هي نوعية الروايات التي تجذب اهتمامنا؟ وهل يمكن تجسيد تلك الشخصيات التي نقرأ عنها وتؤثر في واقعنا؟
هناك نوعان من القرّاء: قارئ محترف و آخر هاو، الأول يستطيع السيطرة على النص بما فيه من رموز ولغة سرية، والآخر يترك للمؤلف مهمة الحركة، يمسك بيده و يتبعه في عالمه الغريب، يشكّل أفكاره ويثير مشاعره كما يشاء.
من بين الأشكال الروائية الشائعة، قصص المغامرات البوليسية، التي تتناول اللصوص و مغامراتهم، بل إن بعض الروايات تجعلهم أبطالا، يتعاطف معهم القارئ، وتسجل الذاكرة الشعبية انتصاراتهم على القانون.
من الشخصيات الخيالية التي غزت ساحة الرواية، شخصية اللص الظريف “أرسين لوبين” الذي أبدعه “موريس لبلان” في سلسلة من الروايات البوليسية الشيقة ، بين عامي 1907م و 1941م ، أعيد نشرها مترجمة في العالم العربي مرات عدة، و تحولت رواياته إلى أفلام و مسلسلات تلفزيونية، ورسوم متحركة، شخصية ذات حيلة واسعة، تحلى بأخلاق “الجنتلمان” ، تواجد في الجهة الخاطئة من القانون، كانت مغامراته في السرقة و السطو لا تقل متعة عن ركوب الأمواج، أو اجتياز أدغال الأمازون، كانت شخصيته الآسرة تجعل القارئ بجانبه دائما، وقد وظف المؤلف في رواياته اختراعات ذلك العصر الذي حدثت فيه حربين عالميتين واكتشافات علمية كثيرة.
شخصية أخرى اشتهرت في ميدان الخيال و التخييل هو “روبن هود”، شخصية شعبية خرجت من الفلكلور الانجليزي، عاش في العصور الوسطى، رامي السهام البارع ، تنقل في الغابات حول مدينة “نوتنغهام” هو و أنصاره، خرج على قانون ذلك العصر وهو عصر الإقطاع، اشتهر بمناصرة المظلومين و مساعدة المحتاجين، تحدثت عنه نصوص أدبية و شعبية، مثلما أشار إليه ” ويليام شكسبير ” في إحدى مسرحياته، تناولته صناعة السينما في العصر الحديث، وشاهدناه في مسلسلات الأطفال الكرتونية، ربما ظروف العصر و المخيلة الشعبية ، تساهم في خلق شخصية البطل الذي تحلم به، قد تستند إلى شخصية واقعية، لكن للخيال الدور الأكبر.
القصص الشعبي العربي يزخر بمثل هؤلاء الأبطال اللصوص، الذين عاشوا على هامش المجتمع، و تمردوا عليه، وخرجوا على قوانينه و أعرافه لأمر ما، ربما يهدفون من ذلك إلى إدانة عصرهم ، الذي تميز بعدم الاستقرار، وضياع الحقوق ، والفوضى، فقد تحدثت أوراق التاريخ عن علي الزيبق، وغيره من الشطار ، بل أن نوادرهم تعود بنا إلى عصر الجاهلية، فقد تحدثت عن عروة بن الورد و تأبط شرا و غيرهم من الصعاليك، الذين كانوا يسرقون لإطعام الفقراء.
ربما لم تتواجد رواية بوليسية عربية على نطاق واسع، ولكن لم تخل الساحة من قصص الفتوات و الحرافيش والمطاريد. ساهمت أيضا السينما المعاصرة بما تملك من تكنولوجيا، في تقريب المنظر وتعزيز مشاعرنا، وزيادة لهفتنا ونحن نتابع حركة هذه الشخصيات على الشاشة.
لماذا هذا التعاطف معهم و هم لصوص؟ هل تدفع المعاناة بالأشخاص، إلى اتخاذ هذا الموقف، ممن استطاعوا القيام بما هو مستحيل عند الانسان العادي؟ أهو نوع من الصراخ في وجه الظلم؟
إن حياة الانسان المعاصر بين الواقعين الافتراضي و الحقيقي، يزيد من احساسه بالعزلة و يجعله في حالة فصام نفسي، يشطر شخصيته مناصفة بين “اليين” و ” اليانغ” ؟ فهو في الواقع شخصية خيرة بيضاء، والذي يحمل همومه جانبه الأسود الشرير، اللص الظريف!