د.خليل ابوسليم
في كل دول العالم وخصوصا المتقدمة منها والتي تسعى دوما إلى رفعة وراحة مواطنيها، فإنها عندما تضع أنظمة وقوانين للتقاعد فهي تهدف من وراء ذلك إلى مكافأة الموظف وتوفير متطلبات العيش الكريم له بعد عناء الخدمة الطويلة، وهذا نابع من شعور الدولة ومسئوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها الذين يفنون أعمارهم في خدمة الدولة ومؤسساتها، إلا في الأردن فان قرار التقاعد الذي بات يستخدم بتعسف واضح، وأصبح عقوبة مسلطة على رأس الموظف العامل في القطاعين العام والخاص.
أسوق هذه المقدمة استهلالًا لما أقدمت عليه “حكومة النهضة ” بالأمس عندما اتخذت قرارين “عظيمين ” سطرتهما بأحرف من سواد في سجل نهضتها المشئوم، حين قررت وبكل جسارة إحالة كل من بلغت خدمته ثلاثون عاماً في القطاع العام للتقاعد، حتى لو لم يبلغ سن الشيخوخة المعتمد للتقاعد سواء كان خاضعا للتقاعد المدني أو للضمان الاجتماعي.
لا اعرف لماذا عندما قرأت هذين القرارين، قفز إلى ذهني مباشرة رواية الحجاج عندما خطب في الناس قائلا: “منذ أن وليت عليكم، لم يصبكم الطاعون. فرد أحد الحاضرين: الله أرحم بنا من أن يجمع علينا مصيبتين، أنت والطاعون”. ولعمري إني أراك حجاج هذا الزمان.
القرار في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب، خصوصا للمنضوين تحت مضلة الضمان الاجتماعي والذين بهذا القرار سيتعرضون للعقوبة عوضًا عن المكافأة.
الرحمة تتمثل في توجه أو ادعاء الحكومة في الحد من فاتورة النفقات الجارية أولا، وإحالة كل من خدم ثلاثون عاما للتقاعد بهدف إراحته ثانيا، وهذا كمن يدس السم في العسل، أما العذاب فيتمثل بتلك العقوبة التي سيتعرض لها المتقاعدون والمتمثلة بالخصم من رواتبهم التقاعدية مدى الحياة بسبب إحالتهم للتقاعد تعسفيًا قبل بلوغهم سن الشيخوخة، وهذه النسب تتفاوت من متقاعد لآخر اعتمادا على سن المتقاعد وقت إحالته للتقاعد، فأين هي الرحمة التي تدعيها الحكومة؟ وأين هي النهضة التي تسعى إليها وهي تعمل جاهدة على تدمير كل مقومات الحياة الكريمة للمواطنين؟
إذا كانت الحكومة راغبة في توفير الحياة الكريمة للمواطنين، عليها الكف أولا عن إعادة تعيين كل أزلامها أو تدويرهم على مواقع أخرى بعد أن يتم إحالتهم على التقاعد، علما بان الكثيرون منهم لديهم درجة عالية من المعلولية ولا يقدرون على قضاء حوائجهم إلا بمساعدة صديق، ناهيك عن أن البعض منهم يقبض من خزينة الدولة بطريق مباشر أو غير مباشر ما لا يقل عن ثلاثة رواتب اقل راتب فيها يحتوي على أربعة خانات، لا بل أن احدهم- وحسب معلوماتي- يتقاضى راتبا من إحدى الشركات المملوكة للدولة يبلغ 24 ألف دولار شهريا عدا عن راتبه التقاعدي كوزير وعدا عن مكافأته الشهرية نظير عضويته في إحدى مؤسسات الدولة.
طالبنا سابقا وسنبقى نطالب بتعديل قانون الضمان الاجتماعي الجائر والذي فيه إجحاف كبير بحق المتقاعدين مبكرا، خصوصا أن غالبيتهم تقاعد بموجب قرارات قسرية، وليس أدل على ذلك من هذا القرار الماثل بين يدينا.
إذا كانت الحكومة فاعلة ولا بد، فإنها مطالبة اليوم وتحت طائلة الفقر والعوز التي أوصلتنا إليها، إلى العمل الجاد وتعديل قانون التقاعد المبكر، بحث توقف نسبة الخصم المقتطعة عند بلوغ الشخص المتقاعد مبكرا إلى سن الشيخوخة، هذا إذا كانت تدعي الحرص على توفير سبل العيش الكريم لمواطني الدولة المنهوبة.