لا شك أن الأردن، حكومة وشعبا ومؤسسات، يمر بمرحلة من التأقلم الصعب في ظل التحديات والمتغيرات السريعة التي تفرضها جائحة فيروس “كورونا” المستجد على العالم بأكمله. بينما تعمل الدول، وعلى رأسها الأردن بقيادته الرشيدة، لتنفيذ خطط استجابة ناجعة لهذه الأزمة تهدف بشكل رئيسي الى حماية الانسان – الذي لطالما كان “أغلى ما نملك”- إلا أنه من الحكمة أن لا نغض النظر عن أهمية التخطيط للمراحل القادمة على المديين المتوسط والطويل.
لقد أثبت هذا الوباء مدى هشاشة الأنظمة الاقتصادية العالمية، وضعف جاهزية البنى التحتية للقطاعات الصحية في مواجهة أوبئة بهذه السرعة في الانتشار، ولربما الدرس الأهم هو مدى ترابط الدول والشعوب وسلاسل الانتاج والتوريد، حيث بات تقدّم الجميع يعتمد على سلامة الحلقة الأضعف، والعكس صحيح.
وهذا يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن أي عملية لإعادة بناء و تطوير هذه الأنظمة كافة تتطلب نظرة شمولية، وتعاونا أمميا يشمل القطاعين العام و الخاص، على ان يكون مبنيا على مباديء التنمية المستدامة وتكثيف ما يسمى ب “العمل المناخي”.
ومن الضروري أن نعيد إلى الاذهان هنا كلمات جلالة الملك عبد الله الثاني امام الجلسة العامة للاجتماع الرابع والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية العام الماضي حين قال:” كيف سيبدو عالمنا إن لم نعمل معا من أجل بيئة صحية وآمنة؟ فالبلدان التي تعاني من شح المياه كالأردن تدرك مخاطر التغير المناخي. إن أزمة عالمية كهذه تتطلب تكاتفا دوليا. فكيف يمكننا أن نبرر التأخر في التعامل مع هذه الأزمة؟”
إن الآثار السلبية التي نعيشها اليوم بسبب انتشار وباء “الكورونا” ما هي الا جرعة من طبيعة التحديات التي سيواجهها العالم في ظل آثار التغير المناخي التي بدأت تتاثر بها العديد من الدول ، ومنها الأردن من خلال الفيضانات الوميضية التي شهدناها في السنوات الأخيرةعلى سبيل المثال، أو الحرائق المدمرة في استراليا، أو الاعصارات التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية، أو موجات الحرارة المرتفعة في أوروبا، وغيرها الكثير.
وحسب التقريرالأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن الشرق الأوسط، و من ضمنه الأردن، من أكثر مناطق العالم قابلية للتأثر سلبا بالتغير المناخي، خاصة بسبب زيادة مخاطر التصحّر في ضوء تزايد درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار بشكل عام.
طالما كان الأردن من الدول السباقة في المنطقة من حيث الامتثال للاطر الدولية للتنمية المستدامة والتغير المناخي، لما في ذلك من تجسيد لأهداف “رؤيا الأردن 2025″، والأهمية الإستراتيجية لتطوير منظومة اقتصادية تعزز الاكتفاء الذاتي، والتكافل الاجتماعي، والمسؤولية البيئية.
ان ذلك كله من شأنه ان يفتح امام الاردن ابوابا عديدة من التمويل الدولي المخصص لدعم الدول في مسيرتها نحو أهداف التنمية المستدامة، وأولوياتها للعمل المناخي -بشقيه “التخفيف” و “التكيّف”-المنصوص عليهما في وثيقة “المساهمات المحددة وطنيا” للتصدي للتغير المناخي (التي أصدرها الأردن في 2015).
اننا نقف الآن على مفترق طرق يتطلب منا جميعا، أفرادا و مؤسسات، اتخاذ قرارات حاسمة سيكون لها انعكاسات طويلة الأمد على الوطن والعالم في المستقبل: فإما أن نرتقي للرؤى التي رسمها لنا سيد البلاد، وننضم الى قائمة الدول الرائدة مثل كوريا الجنوبية التي نجحت في بناء اقتصاد معرفي مستدام يتمحور حول “دولة الانسان”، وزيادة أمن الطاقة، وتعميم التكنولوجيا النظيفة لرفع تنافسية كافة القطاعات، والتركيز على الاستثمار في القطاعات الرئيسية في ملف التكيف للتغير المناخي- وأهمها قطاعات الصحة والمياه -مما سيزيد من منعة ومرونة مؤسسات الدولة في مواجهة الصدمات الخارجية كالتغيرات المناخية، أو إنتشار الأوبئة الخطيرة واندلاع صراعات اقليمية، وإما أن نسلك الطريق “الأسهل” الذي لم يخدم المصالح الحقيقية للعديد من الدول “المتقدمة”؟
ان أردننا وعالمنا يستحقان أفضل من ذلك.
م. شدى الشريف مستشار في مجالات البيئة، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة.