د.حسام العتوم
ما كان للحرب الأوكرانية أن تستمر ويتجاوز مداها العام وأكثر لولا التفسير الخاطىء من جانب الغرب للسيادة الأوكرانية التي تبعثرت أوراقها بين عامي 1991 و 2022، فسيادة أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عنت الاستقلال ووحدة الأراضي الأوكرانية حتى بالنسبة لروسيا الاتحادية جارة التاريخ منذ ما قبل الزمن السوفيتي، لكن التاريخ الروسي عميق وسط الجغرافيا الأوكرانية، فتاريخ ” القرم ” روسي قبل ضمه الى أوكرانيا من قبل نيكيتا خرتشوف عام 1954 ومعظم سكانه روس وبنسبة تصل الى 58.32 %، وبعد توجيه ” كييف ” لبوصلتها صوب أوروبا وأمريكا والاتحاد الأوروبي وادارة ظهرها بالكامل لروسيا سياسيا، ودبلوماسيا، ودينيا، وعلى مستوى التعامل السلبي مع اللغة الروسية، لذلك عملت روسيا على سحبه من السيادة الأوكرانية وخاصة لأهميته الإستراتيجية العسكرية حيث يرسو الأسطول الروسي النووي في مياهه على ضفاف البحر الأسود، وتم التصويت على قرار الضم لصالح روسيا وبنسبة مئوية كبيرة تجاوزت الـ 95%، والدونباس محادد للأراضي الروسية، ونسبة الروس في (لوغانسك ودونيتسك) تبلغ 38.2% من عدد سكانه البالغ أربعة ملايين نسمة، ولقد صوت لصالح الانضمام لروسيا بنسبة مئوية تجاوزت الـ 77%، وتفاوتت من منطقة الى أخرى، ولم يصوت القرم ولا الدونباس لصالح الإنضمام للعاصمة ” كييف ” أو للغرب، أو لحلف ” الناتو ” مثلا، ولكون أن سيادة أوكرانيا ليست مطلبا حقيقيا للغرب، تم إعاقة الحوار المباشر بين “كييف” و “موسكو” مبكرا، وكذلك الأمر عبر ” اتفاقية مينسك ” والتوجه لتسليح ” كييف ” وتزويدها بالمال الوفير، وبحجم تجاوز الـ 150 مليار دولار، والغرب الذي رفض بداية عام 2000 دخول روسيا لحلف ” الناتو ” بعد اقتراح للرئيس بوتين، اصطاد بالماء العكر، وحول أوكرانيا لصيد ثمين، ولضحية تمكن من افتراسها بهدف استهداف روسيا الاتحادية التي تمثل قطبا هاما ناهضا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وعلى مستوى القانون الدولي، ولا ينسجم مع أحادية القطب الواحد لدرجة أنه لا يعترف به، وينادي ويقود عالم متعدد الأقطاب، والذي هو نتيجة مباشرة لما يسمى شيوعا بالحرب الأوكرانية، ولإدامة الحرب الباردة وسباق التسلح واستنزاف روسيا ومحاصرتها والتخطيط لتقسيمها، لكن هيهات فلقد استمرت روسيا متماسكة ومنتصرة، وهي قادرة وبقوة على ذلك .
ويغفل الغرب المظلمة الروسية ولا يعترف بها، ولا يرغب حتى بالإنصات لها، والتي تمثلت بتشجيع الغرب الأمريكي على اشعال لهيب الثورات البرتقالية الملونة وانقلاب ” كييف ” غير الشرعي والدموي عام 2014 بهدف اجتثاث الحضور الروسي من الأراضي الأوكرانية، وعلى التطاول المشترك من قبل “كييف” والغرب على اقليم “الدونباس” لضمه لطرفهم قسرا متسببين بكارثة بشرية تساوي جريمة الحرب راح ضحيتها حوالي 15 الف مواطن جلهم من الروس والأوكران الناطقين بالروسية، وتشرد العديدين غيرهم، واظهر الغرب مكرا موجها ضد روسيا تم اكتشافه تباعا من قبلها، فلقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على انتاج أكثر من (30) مركزا بيولوجيا خبيثا وسط الأراضي الأوكرانية وكررت المشهد حديثا عام 2023، وساعد الغرب ” كييف ” على انتاج قنبلة نووية وأخرى قذرة لتهديد أمن وسيادة روسيا وللضغط عليها لتقبل بشروط ” كييف ” والغرب، والمعروف بأن خاسر الحرب لا يستطيع ربح الحرب ولا السلام، وخطط الغرب مع ” كييف ” لتفجير جسر ” القرم ” وخط الغاز ” نورد ستريم 2″ ولممارسة اغتيالات الصحفيين الروس، ولإغلاق القنوات الروسية الفضائية خارج روسيا، وحديثا منع الباحثين الروس من الكتابة في مجلات “سكوبس” العالمية، ولتشويه صورة روسيا وسط دول العالم عبر الفوبيا الروسية، خاصة تلك التي تعتمد اقتصاديا على أمريكا أكثر من اعتمادها على نفسها .
واصرار “كييف” والغرب على مواصلة الحرب على روسيا مباشرة وبالوكالة عبر حلف “الناتو” يؤشر بقوة على خسران الرهان على النصر السرابي المنشود الهادف لزج “كييف” الى داخل حلف “الناتو” لضمان تعزيز قوتها الرادعة لروسيا ولفرض شروط الغرب عليها في الوقت المناسب، وما نسمعه ونشاهده من أخبار تتحدث عن استعداد “كييف” والغرب لشن هجمات مبرمجة مشتركة على الأقاليم التي حررتها روسيا “القرم والدونباس وزاباروجا وخيرسون وباخموت – أرتيومسك ” بهدف إعادة تحريرها يوضح لنا مدى سذاجة من يخطط لوجستياً في الغرب، ولقد ثبت عدم مقدرة الغرب مجتمعا على دحر روسيا الى الخلف سنتيمترا واحدا، فما بالكم العاصمة “كييف” وبما تملك من جيش هزيل وتدريب غربي مترهل، وتقنيات عسكرية لا تقوى على مواجهة جبروت قوة النار الروسية التي لم تستخدم كلها حتى الآن بطبيعة الحال، وروسيا لم تذهب الى أوكرانيا محتلة في وقت تمتلك فيه أكثر مساحة في العالم (أكثر من 18 مليون كلم²)، والأوكران بالنسبة للروس وحتى تحت ضجيج وهدير الحرب إخوة وجيران، وبينهم مصاهرة، ولا زالوا يتقاسمون رغيف الخبز وهموم السياسة، وتوجه الروس عبر عمليتهم العسكرية الخاصة التحريرية، الإستباقية، الدفاعية، مرتكزين على المادة القانونية سارية المفعول في الأمم المتحدة رقم51 7 التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها، وحادثة ارسال الجانب الأوكراني لمُسَيرات من داخل روسيا على ما يبدو فوق قصر “الكرملين ” الرئاسي مبالغ بها وتدعو للسخرية، خاصة لعدم معرفة وقت تواجد الرئيس بوتين داخل القصر الرئاسي بهدف اغتياله!!، ولم تشكل خطرا حقيقيا عليه، والمعروف لنا هو بأن ” الكرملين” من المواقع السيادية الروسية المحصنة عسكريا ونوويا مثل وزارة الدفاع وغيرها، ولست قلقا شخصيا على مصير الدولة الروسية ” القطب النووي العملاق ” جراء العمليات المضادة الأوكرانية المبرمجة غربيا، وثقتي بها كبيرة وقوية، وهي لا تعرف غير النصر ولا تقبل بأقل منه، وتاريخها المعاصر والعميق شاهد عيان منذ زمن الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية، ونابليون بونابارت، وأودولف هتلر، وحتى الساعة .
لقد فشلت ” كييف ” ومعها الغرب وسلاحه الحديث بالوكالة وماله الكبير الأسود في مقارعة روسيا بالوكالة ومباشرة، وهم من خسروا المراهنة على الحرب – المؤامرة – لصنع السلام على مقاسهم، والنتيجة التي وصلوا اليها هو خسران الحرب والسلام معا، وهم من بدأوا الحرب ودفعوا ثمنها غاليا، والخاسر الأكبر ” كييف ” بكل تأكيد والجناح الغربي الأوكراني، وما أصبح خاضعا للسيادة الروسية يجري الآن اعادة بناؤه ومثلي هنا منطقة ” ماريوبل “، وزيارات الرئيس فلاديمير بوتين لميدان المناطق الأوكرانية السابقة المحررة من قبل روسيا مثل “ماريوبل”، و ” القرم “، و “دونيتسك “، و ” خيرسون ” حقيقية وتعبر عن النصر واعادة البناء، وروسيا ماضية في عمليتها العسكرية الخاصة الى الأمام لتحرير أوكرانيا من التطرف البنديري العنصري الأوكراني المتسبب في الحرب بالتعاون مع الغرب، وزيارات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي المقابلة الميدانية في جبهات القتال تهدف لاستدرار عطف الغرب لكسب مزيد من الدعم العسكري في وقت بدأ الغرب فيه يشعر بخيبة الأمل، ويدعو عبر الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون وعبر رئيس الإتحاد الأوروبي مارشال ميشيل للإنفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى وقراراتها المتهورة التي لا علاقة لها بسيادة أوكرانيا بقدر ما ترمي لإستهداف روسيا العظمى فقط.