ايمن الشبول
بعض الناس ينطلقون بسلوكهم ويصدرون أحكامهم من خلال أحوالهم وواقعهم فقط ؛ فتراهم يعيشون لأنفسهم ولا يسألون عن أحوال وحاجات غيرهم …
فخطواتهم المستقبلية وقناعاتهم الإنسانية تنطلق من حوائجهم وغرائزهم فقط ؛ فإن جاعوا أحسوا بآلآم الجوع وشعروا مع ملايين الجوعى ؛ وإن شبعوا ؛ فما عاد هناك جوعى .. !!! … وإن افتقروا أحسوا بآلآم الفقر وشعروا بملايين الفقراء من حولهم ؛ وإن اغتنوا ؛ فلا فقراء ولا محتاجين حولهم …!!! … وإن تشردوا أحسوا بآلآم التشرد والضياع ، وشعروا بمعاناة اللاجئين من حولهم … ؛ فإن حصلوا المساكن والمأوى … فمشكلات التشرد واللحوء انتهت عندهم … !!!
وهذه النظرة الضيقة تخلو من المشاعر الإنسانية وتكرس الأنانية والذاتية ، وأصحابها يخرجون بنظرة مختلة وبقناعات وأحكام خاطئة عن مجتمعهم وعن الحياة والناس من حولهم …
ولكن المؤمن الحق لن يغفل عن معاناة ومآسي غيره ، وسيتذكر آلآم وحاجات اخوانه في سرآءه وضرآءه وفي كل أحواله …
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا ، فنزل فيها ، فشرب ، ثم خرج ، فإذا بكلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ، ثم أمسكه بفيه حتى رقي ، فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ، فقالوا : يا رسول الله ! وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال : ” في كل ذات كبد رطبة أجر ” …
فبالرغم من إنتهاء معاناة هذا الرجل مع الضمأ والعطش ، أحس بمعاناة الكلب مع العطش ؛ فرق له قلبه وتحركت مشاعر الرحمة لديه ؛ فسقى الكلب ؛ وشكره الله له وغفر له …
ورد في الحديث النبوي الشريف : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) … فالإيمان لن يكتمل بنائه عند كل من عاش ويعيش لنفسه … والمؤمن الصادق لن يهنأ بإيمانه ؛ وفي عالمنا مليارات من البشر يتخطفهم الشيطان ؛ ويتخبطون في شركهم وكفرهم ويسجدون لليقر وللشجر وللحجر من دون الله …
وحتى هدهد سليمان عليه السلام لم يرض للناس الكفر والشرك والضلالة ، وانفعل وأحس بالقهر والضجر عندما شاهد في سبأ ؛ قوما” يسجدون للشمس من دون الله … !!!
نور الإيمان وصل إليك بجهود مريرة من غيرك ، فالواجب الإيماني والشرعي يحتم عليك بذل كل جهد لديك لتوصيل هذا النور الرباني للتائهبن والضالين حول هذا العالم …
لا أدري ؛ كيف يهنأ بقصره ويرتاح بنومه من يرى ملايين الناس في الصحارى هائمين وفي العراء يبيتون .. ؟! لا أدري ؛ كيف يهنأ بطعامه وشرابه من يرى ملايين البشر وهم يتلوون جوعا من حوله .. ؟!
إننا في شهر رمضان المبارك ؛ وهو شهر الانتصارات ؛ على الشيطان وعلى النفس والهوى والكفر والشرك ؛ شهر المحية والتواصل والغفران … وإن واجبك الإيماني يحتم عليك في هذا الشهر أن تتذكر جوع وحاجات غيرك …
ورد في الحديث النبوي الشريف : ( أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا في الليل والناس نيام ؛ تدخلوا الجنة بسلام ) … وأنت تتناول وجبة إفطارك من بعد جوعك وضمئك ؛ تذكرك جيرانك ولا تغفل عن ملايبن الجوعى والمحتاجين الذين من حولك …
وإياك والعيش ضمن ذاتك ونفسك ؛… حطم قيود النفس وتجاوز الأهواء ، وانطلق بإبمانك وبعقلك وبقلبك ؛ وتذكر اخوانك المظلومين والمحرومين والجوعى في كل أنحاء هذا العالم … تذكر الفقراء والمساكين والمشردين في العراء ؛ فإن كان جوعك في شهر رمضان فقط ؛ فأخوان لك في كل الشهور جوعى …