د. طلال طلب الشرفات
في مناقشات خطاب الثقة
حاولتُ كثيراً أن اُخفي مشاعري الوطنية، وانطباعاتي السياسية تجاه مناقشات السَّادة النّواب للبيان الوزاري ولكني لم استطع وذلك من زوايا النَّاقد تارة، والمؤيد تارة أخرى، والغاضب في حالات قليلة عندما يتقزّم الخطاب أحياناً إلى مستويات لا تليق برجال الحكم، ورجالات الدولة في التصدي للشأن العام وخاصة عندما لا يتم ادراك حقيقة دستورية تتمثل في ان النائب يمثل الوطن والامة ككل وليس دائرة انتخابية او منطقة او فئة.
ان البيان الوزاري يمثل خطة عمل الحكومة وثوابتها السياسية، ومنطلقاتها الاقتصادية وليس مسرحاً للثناء، أو السخط، أو المطالب الخدمية التي تربك العلاقة المتساوية والمتوازية بين السلطتين التشريعية، والتنفيذية وتضرب مرتكزات الدولة الناجزة في مقتل، وبالمقابل فإن البيان الوزاري لا يعتبر خطابا لحسن النوايا ولا وثيقة مؤقتة تنتهي بحصول الحكومة على ثقة مجلس النواب وانما التزام دستوري وسياسي للشعب طيلة عمر الحكومة.
استحضار الهوية الوطنية الأردنية، وإدراك الفرق بين الوطني والمواطن، والفارق بين ضريبة الدم والدَّخل، واستدعاء قدسيَّة العلم إلى سنان رمح الأولويات الوطنية، فالدولة الاْردنية في مئويتها الثانية تحتاج إلى مغادرة الانكفاء في المجاهرة بهويتها الوطنية الجامعة وبعيداً عن التزامات الاْردن التاريخية في نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف؛ أقول بعيداً عن تلك الثوابت آن الأوان لوقف المزايدات في أولويات الولاء الوطني، ونهوض الأردنيين على السواء في خدمة الدولة ليس لأحد فيها فضل على آخر إلا في حدود تضيق المساحة الشاسعة بين المواطنة والوطنية.
الأردن لا يستطيع أن يعيش بلا دور، والدور الأردني المحوري بقيادة جلالة الملك يجب أن يبقى ماثلاً رغم كل التحديات والمفارقات الإقليمية التي أرهقت عقول الساسة، وأذهان المحللين والخبراء، وهذا الدور يتطلب وعياً جمعيّاً من الساسة والنخب وتخطيطاً استراتيجياً يتجاوز الأهداف القريبة وردود الفعل السريعة ليرتقي لمساحات الهدوء الخفيَّ، والاعتدال النَّقي الزاخر بالمعالجات السياسية التي تمزج بين المبادئ، والمصالح وتبقي السياسة الخارجية على مسافات الحذر السّياسي الضّروري لحماية المصالح الوطنيّة العليا للدولة الأردنيّة.
إصلاح القطاع العام، وحماية البيروقراطية الوطنية من التَّشظي والاندثار والعودة إلى صناعة القادة في وقت تراجعت القيادة الإدارية إلى مستويات مقلقة انعكست بشكل كبير على مقتضيات الجرأة في اتخاذ القرار الإداري، وأضحى النكوص سمة مؤلمة لا يقل خطورة عن استثمار الوظيفة وباقي جرائم الفساد؛ لأن الامتناع عن اتخاذ القرار هي جريمة فساد سلبية تستدعي المساءلة، بل إن هدر المال العام قد يكون متمخضاً عن التأخر في اتخاذ القرار في الوقت المناسب أو الامتناع غير المبرر.
في مناقشات مجلس النواب للبيان الوزاري بدأ واضحاً التزام الفريق الوزاري بأوامر الدفاع في التدابير الصحية داخل أروقة القبة وتبدى حرص رئيس الحكومة على عدم مغادرة القبة أثناء إلقاء السادة النواب لكلماتهم إلا لطارئ لا يقاوم وهذا يضع على عاتق مجلس الأمة مسؤولية وطنية في إعطاء الحكومة والمكتب الدائم واللجان الوقت الضروري لتنفيذ برامجهم قبل الحكم على آدائهم؛ ليتسنى للدولة التقاط أنفاسها في ظل هذه الجائحة القاسية.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء.