عوني الداوود
صحيح جدا أن جائحة كورونا فاقمت الازمات الاقتصادية عالميا ومحليا ، واذا كانت فاتورتنا الاقتصادية المحلية بالمليارات ، فهي تقدّر عالميا بالتريليونات ، ..لكن حجم الخسائر الاقتصادية الحقيقي لا يمكن حصره في الوقت الحاضر، ليس بسبب استمرار تزايد الحالة الوبائية محليا وعالميا ، خصوصا مع ظهور المتحورات ..تارة «دلتا « وأخرى «اوميكرون « .. ولا ندري ما هو القادم ؟ بل لأن هناك أزمات ومشاكل اقتصادية أجلتها كورونا ومتحوراتها ، وفي مقدمتها مشكلة (البطالة ) سواء بسبب عدم خلق وظائف جديدة أو لفقدان وظائف لاسباب تختلف من دولة الى اخرى .. وقد عمدت معظم دول العالم لاتخاذ اجراءات واصدار قرارات تساهم قدر الامكان في الحد من المشكلة أو تأجيلها لوقت التعافي الاقتصادي «المنتظر « !
في الاردن ..نتحدث عن التعافي الاقتصادي ، ونضع له خططا وسيناريوهات وأولويات حكومية ، ولكن لا أحد يتحدث عن سيناريوهات ما بعد الازمة – وهي المرحلة الأخطر – وربما يكون ظهور متحورات لجائحة كورونا بين حين وآخر يؤجل الحديث في مثل هذه المواضيع محليا كما عالميا ..فالاردن أصدر العديد من أوامر الدفاع من أجل حماية الوظائف وعدم تسريح العمالة ، وقدّم البنك المركزي تسهيلات وقروض وحوافز للشركات شريطة المحافظة على العاملين ، وأطلقت مؤسسة الضمان الاجتماعي برامج متعددة تساهم أيضا بالحفاظ على العاملين في القطاع الخاص من خلال « برامج استدامة « ..وتم اتخاذ قرارات أجّلت دفع اقساط القروض للافراد وللشركات ، وتأجيل دفع العديد من الرسوم والتراخيص لقطاعات تجارية وصناعية واقتصادية ، وهناك قضايا تمّ فيها تأجيل حبس المدين ، وتأجيل دفع الايجارات ، والغاء غرامات تأخير .. وغيرها من القرارات .. ولكن الى متى سيستمر كل ذلك ؟.. وماذا سنفعل حال انتهاء العمل بتلك القرارات أو الانتهاء من أوامر الدفاع ؟
مرحلة «ما قبل كورونا « تختلف تماما عن مرحلة « ما بعد كورونا» .. فهل هناك خطط لذلك ؟ أم أننا نراهن على أن الجائحة مستمرة ولن تنتهي خلال عام ولا عامين، وأنها قد تستمر لنحو عشر سنوات قادمة وفقا لدراسات عالمية مهمة ؟!. وعندها « لكل حادث حديث « ويخلق الله ما لا تعملون « !
الحسابات معقدة وعلى راسمي السياسات الاقتصادية التعامل مع واقع اسمه كورونا علينا ان نعتاد عليها كأزمة وتحدّ يضاف الى كثير من التحديات الاقتصادية التي يواجهها الاردن .. وتحويلها الى فرص .. أمّا كيف ؟ فهذا هو السؤال الذي يتجنب الاجابة عليه كثيرون رغم أهميته ، فكثير من دول العالم بدأت بالاجابة عمليا من خلال اجراءات على أرض الواقع .. ومن هذه الاجابات والسيناريوهات:
– التعامل مع «التعليم عن بعد» كواقع حاضر ومستقبلي في المدارس والجامعات .
– رواج التجارة الالكترونية بكل مراحلها التفصيلية .
– تطوير الابداعات والريادة الرقمية والتكنولوجية .. وهنا لا بد من الاشارة والاشادة بما حققته شركات برمجيات اردنية خلال الجائحة ونجحت بتصدير كثير من خدماتها للعديد من دول الاقليم والعالم بما فيها اسواق الولايات المتحدة الامريكية .
– اعادة النظر بمنظومة الوظائف التي ألغتها كورونا والتركيز على وظائف عززت أهميتها الجائحة .. وربط كل ذلك بتخصصات ومخرجات الجامعات .
– «العمل عن بعد» ، اتاح الفرصة « للتوظيف عن بعد « لكفاءات من جميع دول العالم دون الحاجة للتواجد الوجاهي والتنقلّ بين دولة و أخرى .
– الاستغناء عن كلف الاستئجار لمبان فارهة من قبل شركات في ظل اعتماد العمل عن بعد .. والذي ساهم بتوفير كلف (لكنه زاد من خسائر القطاع العقاري ) !
– الى آخر هذه الامور التي بدأت دول عديدة بتطبيقها وأخرى بالتفكير بها وثالثة بعيدة كل البعد عنها ولا تزال تائهة الى اين تتجه ، وتحاول العودة الى المستحيل ( مرحلة ما قبل كورونا ).. فالعالم يتغير ، وعلى راسمي السياسات المستقبلية بذل جهد اكبر في الابداع والريادة لتحقيق نجاحات والتقليل قدر الامكان من الخسائر بسبب ما احدثته وتحدثه جائحة كورونا ومتحوراتها المتتالية .. وما ستحدثه من خسائر «مؤجلة» !!