د.عمر الزاز
د. عمر الرزاز
تابعت في الأيام الأخيرة، كما تابع الكثير من الأردنيين مقطع فيديو لمعلمة في مدرسة خاصة توبخ طفلا في صف بستان، تكيل له الشتائم والنعوت ومن ثم تصب جام غضبها على الصف بألفاظ نابية، يقابلها حزن وخوف وذهول واضح من قبل الأطفال. واجب الوزارة في هذه الحالة ان تحقق في الموضوع وتتخذ الإجراء المناسب بحق المعلمة (علما بأن الوزارة على معرفة باسم المدرسة والمعلمة).
ولكن الملفت للنظر هو التباين الكبير في ردود الفعل بين تلك المصدومة من المشهد والداعية الى اتخاذ أشد الإجراءات بحق المعلمة، وتلك التي تدافع عن المعلمة وتبرر تصرفها. هذا التباين الكبير يعكس ثلاثة تحديات علينا تجاوزها كشركاء في تطوير التعليم، سواء أكنا معلمين أو أولياء أمور أو إداريين ومختصين.
التحدي الأول هو أن نتجاوز عقلية «كبش الفداء» ، فكلنا يعلم أن هذه الظاهرة تتجاوز هذا الفيديو وهذه المعلمة، فظاهرة التعنيف والإيذاء الجسدي واللفظي والنفسي منتشرة في الكثير من المدارس الحكومية والخاصة وعلينا التعامل معها كظاهرة وليس فقط كحالة استثنائية مثلما هي ظاهرة الاعتداء على المعلمين.
التحدي الثاني هو أن نخرج من الحلقة المفرغة التي ترى تضادا ما بين حقوق المعلم وحقوق الطفل وحقوق أولياء الأمور، فكلما شهدنا عنفا تبارى كل طرف للدفاع عن نفسه وإلقاء اللوم على الآخر، وأن ننتقل الى حالة حميدة تتكامل فيها الجهود نحو التعليم والتعلم والبيئة المدرسية التي نسعى اليها.
والتحدي الثالث وربما الأصعب هو أن نتوافق على ما نسعى إلى تحقيقه في المدرسة، فهل نحن متفقون على أن الإقرار بإنسانية الإنسان، وبالتالي كرامته وحصانته وحرمته، هي غاية التنمية ووسيلتها؟ وهل الإيذاء الجسدي والمعنوي والنفسي وإذلال الإنسان واستباحة كرامته تؤدي الى بناء مواطن فاعل صالح متمكن، أم تؤدي إلى بناء إنسان مهزوم مستكين ضعيف وحاقد في آن واحد؟. الأجوبة العلمية والتربوية واضحة: فعلميا أصبح مثبتا أن الخوف والقلق في سن مبكرة يؤدي إلى ضمور خلايا المخ بدلا من نموها، وتربويا أصبح مثبتا أن العقاب البدني واللفظي لا يغير السلوك إلا أمام المعلم ولا يلبث الطالب أن يمارس السلوك في غياب الرقابة بل يتمادى به تحديا لما يراه كسلطة مستبدة، والبدائل المتمثلة بتشويق الطالب وتحفيزه والأنشطة التي تبني شخصيته وجسده وتفرغ طاقاته الزائدة باتت معروفة، والبدائل في التعامل مع الحالات الصعبة من إشراك المرشد والمدير وأولياء الأمور في مرحلة مبكرة أيضا معروفة.
أما اعتداء الطالب او ولي الأمر على المعلم فيتنافى مع أبسط الأسس الإنسانية والأخلاقية، ناهيك عن النيل من كرامة المهنة والعملية التعليمية والبيئة المدرسية برمتها.
العملية متصلة ومتشابكة ولكن كل طرف يعتقد أنه هو فقط الضحية ويجعل من ذلك مبررا للتسلط على الآخر وإذلاله، علينا أن نعي بأن كرامة المعلم وحرمة المدرسة وحقوق الطالب أجزاء من حلقة متكاملة لا متناقضة، وأن العنف لا يفضي إلا إلى مزيد من العنف، وأن المعلم المؤهل الذي يقدم نموذج القدوة، والطالب المُحفّز والمقبل على المدرسة، وولي الأمر الذي يتابع أداء أطفاله في البيت، كلها أجزاء من مسيرة نحو النهضة الشاملة.
لكل طرف مطالب محقة، والبيئة المدرسية ليست نموذجية، ولكن علينا أن نبدأ بالانتقال من الحالات الفردية إلى فهم الظاهرة، ومن عقلية التضاد إلى التكامل، ومن تبرير الممارسات الخاطئة إلى لفظها واستبدالها بممارسات بناءة. حجر الأساس لكل ذلك يتمثل في مجلس المدرسة الآمنة الذي تم استحداثه والمشكل من مدير المدرسة، ومعلمين منتخبين، وممثلين لبرلمان الطلبة المنتخب، وأولياء أمور من مجلس التطوير التربوي المحلي.
نعوّل على هذه المجالس في الخروج بمدونات سلوك تلزم جميع الشركاء وصولا إلى مدارس آمنة ومجتمع متكامل خالٍ من العنف.