أ. سعيد ذياب سليم
سيدة أنيقة، بل سيدة الأنيقات، مثيرة مثقفة واسعة الحيلة جميلة المنطق، غامضة كثيرة الأسرار لا تفهمها بسهولة،
تتدخل في كل شيء، صغيره و كبيره، تجادلك في خططك المالية، تساندك في قراراتك الحيوية، تجد لديها كل الحلول
لا يوقفها حاجز، إذا قِست ضغط دمك أو عددت رمال الشطآن و حاولت ترجيح أمر على آخر أو فكرت بشراء هدية،
تخرج من محفظتك تشير عليك ما يجب فعله، تلك هي سيدة العلوم الرياضيات.
لن تكون سعيدا بدونها ، قد لا تحتاج لذلك الكم الهائل من التفاضلات والتكاملات والمعادلات المعقدة التي أرّقت طلبة
التوجيهية العامة ليالي طويلة وإنما قليل من المنطق الرياضي السليم وبعض المهارات. فمثلما يرسم الفنان التشكيلي
لوحته مستخدما فرشاته و ألوانه وكما يستخدم العازف أداته و نوتته الموسيقية فالرياضي يستخدم أدواته الخاصة
من أعداد و مهارات مختلفة معبرا عن مشاكل الحياة وتوقعاته لها فيبني جداول إحصائية ويمثلها في رسومات بيانية
توضيحية ويقدم لنا الخلاصة في معلومة رقمية. في تقرير عن حوادث السير لعام 2015 كان هناك حادث دهس كل 2.5
ساعة، فالرحلة التي تستغرق أربع ساعات كم ستواجه فيها من خطر ؟ وتلك التي تستغرق ساعة واحدة هل ستكون أقل
خطورة ؟آخذين بعين الاعتبار أن الحوادث موزعة بشكل عشوائي و أن هناك عوامل أخرى من بينها أننا “فنانين سياقة”
هل سنأخذ هذه النسبة في الاعتبار أم سنثق بمهارتنا فقط ونعرض أنفسنا لأخطاء الآخرين؟
إذا تجاهلت نظرتها العاتبة ولم تسمعها تشير إلى التناقض الواضح بين ما تقوم به و ما أنت مؤهل له – مثل دخلك و
مصروفاتك – ستندم حين لا يفيد الندم. فالحياة تتبع مسارات تعتمد فيها على بداية ومجموعة متغيرات لنفهمها لا بد من
معرفة العلاقة التي تربط النتيجة و السبب .
ارتبط الإنسان عاطفيا بهذه السيدة فكانت هناك خطوة أولى عندما سار منتصبا ، نظر إلى كفيه فاخترع العد ونُظُمِها وأهمها
النظام العشري، تلاها خطوات أخرى أصبحت هي وسيلة البحث في الفلسفة التي لم تنفصل عن الرياضيات إلا حديثا .
هل نحبها أم نكرهها ؟ ربما نخشاها. من المسؤول عن ذلك ؟ أهو معلمنا في المدرسة الذي قدمها لنا بطريقة كشفت ضعفنا
وتفوقه أم هم الرفاق الذين علت ضحكاتهم عندما ارتكبنا الغلطة الحسابية الأولى ؟ أم هو غموضها؟
ربما ساهم المنهاج المدرسي في نظرتنا إليها فهو لا يُعدّنا لمعالجة مشاكل الحياة بشكل كاف و إنما يُعدّنا من أجل الدراسة
الجامعية لبناء مهنة والتخصص في أحد مجالات الهندسة أو العلوم، لكن الحياة لا تكتفي بذلك، مما قاله “لوكا باتشولي”
وهو عالم رياضيات إيطالي (لا يوجد فن بدون رياضيات )، فقد استخدم ” ليوناردو دا فنشي” النسبة الذهبية في أعماله وكان يسميها
النسبة الإلاهية فهي تشاهد في الطبيعة بكثرة ، واستخدمت قديما في بناء الأهرامات و غيرها من المواقع الأثرية و اليوم يستخدمها
مهندسي العمارة و مصممي العلامات التجارية. فوراء ما نشهده سر من أسرار الرياضيات تعال لنبحث عنه سوية.