د. صلاح العبّادي
جاء لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كأول زعيم عربي يلتقي الإدارة الأمريكي منذ تنصيب ترامب في العشرين من الشهر الماضي؛ حيث أوصل جلالته الصوت العربي العقلاني في التعبير عن وجدان الضمير العربي تجاه القضيّة الفلسطينيّة.
يوم أمس اتجهت أنّظار العالم إلى خطوات جلالة الملك الواثقة والثابتة والصلبة تجاه مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة؛ حيث التقى جلالته ترامب لإيصال صوت العالم إلى الإدارة الأمريكيّة تجاه رفض السياسات الأمريكيّة الإسرائيليّة الراميةِ لتهجير سكان قطاع غزّة وفرض السيطرة الأمريكيّة عليه، وتمسك جلالته بحل الدولتين ووقف الانتهاكات الإسرائيليّة.
الأردن صوت العقل والحكمة والمواقف الراسخة .. آمال شعوب الوطن العربي عُلّقت على اجتماعات صاحب القرار مع أركان الإدارة الأمريكيّة.. صاحب الحكمة والرأي السديد.. فكيف لا ؟ وجلالته هو من أهم أعمدة وأركان العمل العربي المشترك.. صاحب النظرة الثاقبة.. لما عُرف عنه من حكمة ومعرفة وسعةِ اطلاعٍ وقدرة في المحاورة والاستماع، ومعرفته الدقيقة بالواقع العربي والإقليمي والعالمي.. حباه الله برؤية ثاقبة وقدرة تحليليّة، وفراسة لإستشراف المستقبل وتوقع مآلاته ونتائجه.
فمعرفة جلالته الواسعة بالتطورات العالميّة والمستجدّات السياسيّة، منحته تلك القدرة الاستشرافيّة بواقعيّة؛ لذا كانت القرارات السياسيّة والتحليلات العلميّة التي قدمها جلالته أقرب للواقع ببصيرة لا يوجد لها مثيل.
جلالة الملك وعلى مدى ما يزيد عن ربع قرنٍ من الزمن وهو يشخص المشكلة ويضع الحلول المتمثلة في حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينيّة عند حدود الرابع من حزيران لعام 1967، ووقف الانتهاكات الإسرائيليّة
اليوم اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة على صفيح ساخن، بعد أن أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس تعليق عمليات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين حتى إشعار آخر، لاستمرار انتهاكات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار؛ وعدم التزامهم ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، من جهة وتعطيل إنسيابية إداخال المساعدات الإنسانيّة للقطاع دون قيود.
المجتمع الدولي يخشى اليوم انهيار الاتفاق، بعد أن عبّرت حماس عن مخاوفها من عدم جديّة إسرائيل في تنفيذ الاتفاق وإعلانها تعليق الإفراج عن الرهائن حتى إشعار آخر، خصوصاً وأن الضمانات الأميركيّة لوقف إطلاق النار من وجهة نظر “حماس” لم تعد قائمة في ضوء خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهجير سكان غزة من القطاع، الأمر الذي دفعهم إلى إرجاء المحادثات حتى يروا إشارات واضحة تظهر حُسن النوايا لدى واشنطن لمواصلة الاتفاق المؤلف من مراحل مختلفة تتطلب الالتزام به.
حتى السبت الماضي تضمّن تنفيذ الاتفاق الإفراج عن خمس دفعات من الرهائن لدى المقاومة الفلسطينيّة والسجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل، في إطار المرحلة الأولى من الاتفاق التي تمتد لنحو 42 يوماً وتشمل الإفراج عن 33 رهينة إسرائيليّة، فيما ستفرج إسرائيل خلال هذه المرحلة عن أكثر من 1890 سجيناً فلسطينيّاً.
الاتفاق جاء ضمن ثلاث مراحل تم التوصل إليه بين حماس وإسرائيل بوساطة مصريّة قطريّة وبدعم أميركي، وبدأ تنفيذه في التاسع عشر من شهر كانون الثاني الماضي في مرحلته الأولى التي تمتد لـ 6 أسابيع. وهو ما يتطلب اليوم عمليّة إنعاش سريعة من قبل الوسطاء والقوى السياسيّة المؤثرة، لتجنب تنفيذ التهديد الذي أطلقه ترامب يوم أمس، وتحذيره بضرورة إطلاق سراح جميع المحتجزين لدى حماس قبل الساعة الثانية عشر من ظهر يوم السبت المقبل!
تصريحات ترامب لم تكن مفاجأة للمتابع للمشهد السياسي، وهي ستمنح الغطاء الأمريكي لنتنياهو لتكون ذريعة له بدعم أمريكي لاتخاذ قرارات من شأنها عدم الالتزام باستكمال تنفيذ الاتفاق في مراحلة الثلاث، والعودة لخيار الحرب، الذي كان واضحاً عندما كان قد أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قبل أيام بأن العام الحالي سيكون عام حرب بالنسبة لجيشه!
خلال الفترة الماضية كانت التصريحات المتبادلة من قبل ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشير إلى أن إسرائيل لا تريد الاستمرار في الاتفاق، وتظهر نوايا تل أبيب بالعود للحرب من جديد بعد استعادة أكبر عددٍ ممكن من الرهائن!
تلويح الإدارة الأمريكيّة في وقف المساعدات المقدمة إلى الأردن ومصر في حال عدم قبول البلدين استقبال أهالي قطاع غزّة؛ هي ورقة ضغط أمريكيّة لا يمكن أن تقبل بها المملكة الأردنيّة الهاشميّة ولا جمهورية مصر العربيّة، لما لها من مآلات كبيرة وعواقب سياسيّة.
الأردن صاحب المواقف المشرّفة في الدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة لا يمكن أن يسجّل في صفحات تاريخه البرّاقة بأنّه أسهم في تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، لاسيما وأن الأردن كان دوماً يُعيد توجيه بوصلة العالم تجاه مركزيّة هذه القضيّة كلما أنشغل العالم بقضايا سياسيّة تحيّد الأنظار عنها.
الأردن لديه أوراقه التي يمكن أن يستخدمها دوماً في معالجة الأزمات السياسيّة وعلاقاته الدبلوماسيّة المؤثرة في ميزان القوى الدوليّة الفاعلة، في وقت يشهد العالم حالة ارباك في المشهد السياسي، جرّاء تعدد الأزمات السياسيّة التي تجابه المنطقة، وإنعدام الأفق السياسي للتوصل إلى حلٍّ عادل للشعب الفلسطيني يفضي لإقامة دولته المستقلّة.
المشهد السياسي اليوم يتطلب احتواء سريع من قبل الوسطاء، وبغطاء عربي مظلته جامعة الدول العربيّة التي ستعقد قمة عربيّة طارئة تستضيفها القاهرة في السابع والعشرين من الشهر الحالي، للنظر في اتخاذ موقف عربي أشد حزماً في إطار رفض الدول العربيّة والإسلاميّة لخطة ترامب الذي كان قد قال بأنّه يسعى “لشراء غزّة وامتلاكها” من أجل إعادة بنائها، في وقت يواصل اصرارهِ على إخراج الفلسطينيين من القطاع من دون أن يكون لهم حق العودة.
القمّة العربيّة المنتظرة شأنها أن تعزز الموقق العربي، وتوحد الخطاب السياسي للدول العربيّة والتي ستجدّد موقفها الرافض لقضيّة تهجير الفلسطينيين، والدفع بتمكين السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة من استعادة المشهد السياسي في قطاع غزّة.
مصلحة الشعب الفلسطيني أن تستعيد السلطة دورها في قطاع غزّة والذي خرجت منه في العام 2007، وهو أمر يخدم قوة القضيّة، وأنّ يعود القطاع متصلاً جغرافياً وسياسياً بالأراضي الفلسطينيّة التي تفصلها مستوطنات غلاف غزّة؛ لإجهاض المخططات الإسرائيليّة المتمثلة بتهجير قاطني القطاع، وتفويت الفرصة على الإسرائليين، وتعزيز الموقف الدولي الرافض لسياسات التهجير، وإفشال مخططات نتنياهو بالعودة للحرب مجدداً.
الرأي