
سلامة الدرعاوي
تعكس قرارات رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان نهجاً مالياً يوازن بين تقليل الهدر وتحفيز الاقتصاد، وهو ما يعد ضرورياً في ظل التحديات المالية الراهنة.
واستمرار هذا النهج، يمكّن الحكومة من تحقيق إدارة مالية أكثر كفاءة، قادرة على تحسين الخدمات العامة دون تحميل الموازنة أعباء غير مبررة. وقرار رئيس الوزراء الأخير المتعلق بضبط سفر المسؤولين إلى الخارج يعكس توجهاً حكومياً نحو تعزيز الانضباط المالي وترشيد النفقات، فمنع السفر إلا في الحالات الضرورية، وتحديد المدة والمسؤول المخول بالسفر، ليس مجرد إجراء إداري، بل يحمل بعداً مالياً مهماً يتمثل في تقليل الهدر المرتبط بالمياومات التي باتت في بعض الأحيان هدفاً لبعض الموظفين عوضا عن أن تكون وسيلة لخدمة العمل الحكومي.
المشكلة الأساسية التي تعالجها هذه القرارات تتعلق بسفر بعض الموظفين غير المعنيين بشكل مباشر بالقضايا التي يتم بحثها، ما يؤدي إلى تحميل الخزينة العامة نفقات إضافية لا طائل منها. من منظور مالي، فإن هذه التكاليف، وإن بدت محدودة على المستوى الفردي، إلا أنها تتراكم على المدى الطويل لتشكل عبئاً غير مبرر على الموازنة العامة، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة، ومن هنا، فإن ضبط آليات السفر وفرض قيود صارمة عليه يعزز كفاءة الإنفاق العام، ويرفع مستوى المساءلة المالية.
على الجانب الآخر، فإن نهج رئيس الوزراء القائم على عقد جلسات مجلس الوزراء في المحافظات يعكس تحولاً في آليات صنع القرار، بحيث يتم الاطلاع المباشر على الاحتياجات التنموية والخدمية لكل منطقة، وهو ما ينعكس إيجاباً على توجيه المخصصات المالية نحو الأولويات الحقيقية، فعلى سبيل المثال، تخصيص نصف مليون دينار لإنشاء حديقة عامة في المفرق يعد استثماراً في البنية التحتية المجتمعية، وهو نوع من الإنفاق الرأسمالي الذي يعود بالنفع طويل الأمد على المجتمع، بدلاً من التركيز على النفقات الجارية.
كما أن القرارات المرتبطة بتنظيم قطاع التعدين تعكس توجهاً نحو الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية، وضمان تحقيق الدولة لعوائد عادلة من عمليات التعدين، دون المساس بحقوق المستثمرين، وهذا التوازن بين تشجيع الاستثمار وضبط العوائد المالية للخزينة يعد ركيزة أساسية في السياسة المالية الحديثة، خصوصاً في القطاعات التي تمتلك الدولة فيها أصولاً طبيعية قابلة للاستغلال الاقتصادي.
وفيما يخص الإجراءات التحفيزية لقطاع النقل، فإن إعفاء المرخص لهم من الغرامات المالية يعكس فهماً لمعادلة التوازن المالي بين تحصيل الإيرادات الحكومية ودعم استمرارية النشاط الاقتصادي، فبدلاً من تحميل الشركات والمستثمرين أعباء مالية متراكمة قد تؤدي إلى خروجهم من السوق، تقدم الحكومة حوافز لتسوية أوضاعهم، ما يضمن استدامة الإيرادات العامة على المدى الطويل من خلال الحفاظ على نشاط هذه القطاعات.
رؤية رئيس الوزراء في التحديث الاقتصادي تبدو واضحة من خلال قرارات مثل توحيد الرسوم المفروضة على الشاحنات بين الأردن وسورية، حيث تهدف هذه الخطوة إلى تحسين بيئة الأعمال، ودعم التبادل التجاري الذي يمثل إحدى الروافد المالية المهمة للدولة، فالتخفيف من الأعباء المالية على قطاع النقل ينعكس مباشرة على انخفاض تكاليف الاستيراد والتصدير، مما يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني.