أعجبني حفاظُ د.زياد الشخانبة، في ما يرويه ويكتبه ويسأل عنه، على مصطلح “الجائحة”؛ فحين تتكرّس على صفحة هذا الزميل،.. أجد أننا معشر المثقفين نتزايد بزياد وأمثاله من فقهاء الصحافة وأساتذة الإعلام، ومن النخبة في الأجناس الأدبيّة والفنية والفكريّة، وفي كلّ المجالات.. فلقد حثّني تكرار زياد لـ”الجائحة” على أن أنعم النظر في معنى الاجتياح و”الجوح” والفعل “جحّ” المرتبط شعبيّاً بالضمير مفعولاً له؛ كقولنا “يجِحُّهْ جَحْ”،… والذي أريد أن أصل إليه، قبل أن تستهويني الجُمل، فأنسى ما جئتُ لأجله- والأفعال تغريني بالتتبّع،..ليس فقط قرب المعاني المستولدة من الفعل “جاح”، على عموم موضوع”الهلاك” في هذه الأفعال،.. وإنّما تعيدني الجائحة إلى نذير الذئب، واستصراخه، وهو يجوح، في جوف الظلام وعلى رؤوس الجبال، الإنسانيّةَ كلّها؛ لتحسّ به، وربما لتعذره في ما هو فيه، حين يفرح بالدّم. ولقد مرّت عليّ، وأنا أنتخب من القصائد، ما يثير فينا الذئاب ونحن نتزاحم بين الغرف والممرات في هذا الحندس القاهر من الليل، قصيدة للشاعر الراحل كريدي بن قشعم، وردت فيها صورة الذّئب الذي يجوح، أو يعوي، أو يضبح؛ كما قال “ضبيح ذيبٍ لا عوى بالجلمدِ”!.. وليتني أستردّ القصيدة التي ذهبت مع والدي يوم غادرني الشعر برحيله؛ وكثيراً ما استثارني رحمه الله بهذا التشبيه. كما يمرّ عليّ ذئب ابن عذيمان، شاعر البادية الشمالية رحمه الله، يوم جاح ذئبه في ليل صحراء لا انتهاء له، في وقتٍ ودعت فيه زوجته الدنيا، تاركةً المرحوم وبناته وهو يلاحق ذبالةً من “سبيل”، فيغريه بالنشيج، والمساجلة، في حوار: “يا ذيب ياللي توحش القلب بعواك اشوف حالك صاير(ن) مثل حالي انته عويلك يوم فاتك معشّاك وانا عويلي مــن تيتّم عيالي حذراك من سود الليالي تغشلاك ويعتم عليك الضّوْ عقب الدَّلالي”. … إلى هنا، وقف الإلهام، وأخشى إن سرتُ في الشرح أن أوثّق؛ فأحشد وأفصّل وأبوّب وأُحيل إلى المصادر والمراجع والروايات،…وهذا أمرٌ له مجالاتٌ في غير هذه الصفحة، بل لا أريد أن أسير فيه، في هذه الظروف التي هي محلّ استعاذةٍ بالله من هذا الفيروس الماحق، اللعين. نتيجة:: بيننا، نحن ذئاب الدّور أمام جائحة الكورونا، وبين ذئاب الجبال التقليدية مودّةٌ وقربى ووحدةُ حال؛ فكلانا نذيرٌ بجائحةٍ من جوائح هذا الزمان، تخصُّه.