حاتم القرعان
يمر الوطن الغالي الأردن بمرحلة اقتصادية صعبة كالسفينة التي تلاحقها الأمواج في عرض البحر، فجائحة كورونا لا تضر بالإنسان فقط بل تعمل على انهاك البلد اقتصاديا واجتماعيا وماليا في جميع القطاعات، فقد توقفت حركة الإنتاج في المصانع وكل الأعمال الحرفية والتجارية والزراعية والصناعية.
ومع إعلان دولة الرزاز تشكيل المجلس الاستشاري للسياسات الاقتصادية خطوة رائدة تنم عن فكر وحنكة تحمل بعد نظر لما بعد كورونا. فاليوم يحتاج الأردن وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية والصحية التي ضرّت البلاد، للتحول من الاقتصاد الرأسمالي إلى الاقتصاد المجتمعي؛ ومؤسساته منظمات التجارية والجمعيات ومؤسسات التعاضد والمؤسسات الاجتماعية.
الهدف من الاقتصاد الاجتماعي التضامني؛ هو معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، كالفقر وقلة فرص العمل المستقر من خلال تيسير الوصول إلى التمويل، ومعلومات السوق، وعناصر الإنتاج، والتكنولوجيا، وخدمات الدعم، وتحسين مستوى الدخل وضمان استمراره.
ومن أنشطة الاقتصاد الاجتماعي القائم على التضامن؛ التحول إلى الاعتماد على الإنتاج الداخلي والاستغناء عن الاستيراد لكثير من السلع المالية، والاعتماد على التصدير لمنتجات الصناعات في الأردن وعلى أن تكون بخطط مدروسة، والتركيز على الجودة في المنتج والسعر حتى تدخل السلع للمنافسة في السوق، مع خفض الضريبة والمحروقات لتشجيع الإنتاج، ويعود ذلك على جودة السلعة والكم، لأن الدولة لديها خياران بعد تجاوز هذه الجائحة وخوفا من انهيار الأمن الغذائي المجتمعي والتكافل الاجتماعي؛ الأول: دعم مالي للمتضررين، ثانيا: فتح الاقتصاد، وكلا له آثاره والهدف من ذلك التقليل من الاستهلاك كي يخدم التصدير لانقاذ ما تبقى من اقتصاد الوطن والنهوض به للتعافي.
إن الاقتصاد المجتمعي الذي نسعى إلى تطبيقه يستمد جذوره إلى بدايات تاريخ البشرية؛ عندما كان الإنسان يتدبر أموره من خلال (مجموعة من البشر يعيشون ويتدبرون أمورهم بالتعاون والتشارك مع بعضهم)؛ ويطبقون مبدأ “الكل من أجل الواحد والواحد من أجل الكل”، حيث كانوا يقومون بتجميع قوتهم اليومي بشكل جماعي، والهدف الأساسي للنشاط الاقتصادي؛ هو إنتاج السلع، وتلبية احتياجات الناس وليس تحقيق الحد الأقصى من الأرباح.
وهذا النموذج من الاقتصاد الخيار الأمثل لتطبيقه في مثل هذه الظروف، إذ يستثمر التقدم والتطوّر في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها في تحقيق التنمية الاجتماعية. وتسخير الأدوات الاقتصادية لخدمة الغايات الاجتماعية، ومنها الرفاه والنمو للجميع، بدلاً من التركيز على تحقيق مكاسب تخدم الربح الفردي كما في النماذج التقليدية للأعمال.
وبذلك نعمل على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية؛ كالفقر وقلة فرص العمل المستقر من خلال تيسير الوصول للتمويل، وتحسين مستوى الدخل وضمان استمراره، وأنشطة الاقتصاد الاجتماعي القائم على التضامن تشترك في مجموعة من القيم والمبادئ الأساسية،
وعملية إحيائه وتطبيقه بشكل كامل وفعلي في الواقع يحتاج إلى وقت طويل، وكوادر مقتنعة ومؤمنة بالاقتصاد المجتمعي.
ولا بد من منح دور للجمعيات التعاونية والمشاريع الصغيرة والخاصة، وفتح قنوات التكامل مع القطاعات كافة بالدولة. وتشكيل مؤسسة تهتم لأمور الجمعيات؛ مهمتها الأساسية ترسيخ فكرة الجمعيات على المجتمع بمعناه الأصلي المستند إلى تأمين الحاجات اليومية، ونبذ رغبات تكديس الأموال والربح الفائض لتعود المساواة والعدالة والحياة التشاركية من جديد.
وهنا أشير إلى البحث عن رجل اقتصادي لقيادة المرحلة المقبلة يشبهنا كثيرا، ويحمل الملامح الأردنية ويعي حالة المواطن حيث يستطيع أن ينقلنا من الاقتصاد الرأسمالي إلى الاقتصاد الاجتماعي بسهولة ويسر، وأهل مكة أدرى بشعابها. حفظ الله الأردن وشعبه وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.