رمزي الغزوي
كنت في الثانوية عندما وقعت عيني على كتاب (موجز تاريخ الزمن) لستيفن هوكينغ، على بسطة شارع في عمان. شدني العنوان؛ فاشتريته حارماً نفسي من وجبة غداء كنت أنتويها. وفي الرحلة إلى عجلون، غابت عني الطريق، وأبحرت مع ملاح ماهر طاف بي أرجاء الكون، ابتداء من الانفجار الكبير إلى الثقوب السوداء.
صار الكتاب حديقتي السرية رغم أن بعضا من المصطلحات لم يرتق إليها عقلي حينذاك، لكن الفكرة البسيطة الواضحة منحتني متعة لن أنسها ما حييت. ولهذا كان الكتاب سببا لدخولي تخصص الفيزياء في الجامعة.
لكن لم يكن الكتاب ملهمي بقدر ما ألهمني صاحبه العظيم، فهو لم يستسلم للمرض الغريب، الذي أقعده وعطل كلّ أجهزته، بإستثناء عينيه، وعقله الأسطوري بالطبع. هذا العالم ظل مثابراً بشجاعة منقطعة النظير، متسلحاً بحب الحياة، وروح الدعابة حتى آخر لحظاته.
صباح أمس تلقينا نبأ وفاة عالمنا هوكينغ، فترحمت عليه، وحزنت لهذه الخسارة الكبيرة لعالمنا وعلمنا. لكن هذا الترحم لم يعجب البعض من سكان مواقع التواصل الإجتماعي، ورأوا فيه عملا ليس حقاً أو خروجا على مألوف العادة والدين.
كلما مات عالم جليل، أو مخترع عظيم، أو كاتب ملهم، حاول أن يلطف من قبح العالم ويجمله،أو موسيقي رقيق. كلما مات أحد من هؤلاء؛ تندلع في هشيم مواقع التواصل الإجتماعي عبارة صارمة: يا رجل، هاظا كافر فكيف تترحم عليه؟ يا رجل هذا ملحد، لا تطلب له الشفاعة والنور.
مؤسف ما نحن فيه. فحتى الرحمة وطلبها نبخل بهما على أمثال هؤلاء الذين صنعوا فرقا في الحياة، وجملوها وطوروها. لماذا نأخذ دوراً غير دورنا؟ فالرحمة بيد خالقها؟ ثم على من تريدوننا أن نترحم إذن؟ أعلى من يملأون العالم دما وإجراما وطغيانا وترويعاً؟ أم على من ولدوا وماتوا ولم يفغلوا شيئا يذكر في هذا الكوكب؟.
ثم لماذا نشغل أنفسنا بهذا الأمر؟ فما شأنك يا عزيزي، إن كان سيدخل الجنة أم لا؟ وما يضيرك إن دخلها؟ هل كان سيأخذ مكانك مثلاً؟. بكل صراحة أرى أن وراء هذه النقطة شيئا حساسا، وهو أننا ننظر لى مثل هؤلاء نظرة استعلاء، فنحن مضمونون في الجنة، وهم حطام في النار، وأن كل ما قدموه للحياة، لا قيمة له عند خالقنا. واننا نحن فقط من سيهتم بنا. فدعوا الجنة والنار بيد خالقهما. ولا تنصبوا أنفسكم أوصياء على علم الغيوب؟.
أترحم من جديد سبع مرات على ستيفن هوكينج، وعلى كل من يقدم للإنسانية نفحة خير، أو مسحة جمال، أو لمحة حب.