أُسَيْد الحوتري
بين حين وآخر، يثار موضوع (أردني-أفلسطيني) كعامل تفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ويتجلى هذا الأمر ويستعر أحيانا أثناء وبعد مباريات كرة القدم.
كي لا أطيل، سأدخل في صلب الموضوع مباشرة.
منذ فجر التاريخ والعروبة تجمع بين الأشقاء شرقي نهر الأردن والغربيه. ومنذ اليوم الذي فتح فيه الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بيت المقدس في (٦٣٧) ميلادي، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام (١٩١٨)، لم يكن هنالك أردني أو فلسطيني بهذا اللفظ وهذا المسمى، بل كان الجميع شرقي نهر الأردن وغربيه أبناء وطن واحد، يعيشون في دولة واحدة: دولة الخلفاء الراشدين إبتداءا، ثم أبناء للدولة الأموية، ثم العباسية، والعثمانية أخيرا. وهذا ببساطة يعني أن القوم شرقي نهر الأردن وغربيه كانوا: راشديين، ثم أمويين، ثم عباسيين، ثم عثمانيين.
بعد سقوط الدولة العثمانية، قامت المملكة العربية السورية لمدة عامين من (١٩١٨) إلى (١٩٢٠)، وكانت بقيادة الشريف فيصل بن الحسين بن علي، وكانت تضم هذه المملكة وبحسب التسميات الحالية: سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، وجزءا صغيرا من العراق وتركيا. هذا يؤكد أن العرب شرقي نهر الأردن وغربيه كانوا أيضا أبناء شعب واحد في ظل المملكة العربية السورية. وأجد هنا لزاما علي التأكيد على أنهم كانوا: سوريين.
لم يرق للإستعمار البريطاني والفرنسي قيام مملكة عربية، وافتضحت النوايا الاستعمارية عند انكشاف اتفاقية (سايكس-بيكو) التي تمت عام (١٩١٦)! وبعد مؤتمر (سان ريمو) (١٩٢٠)، وتوقيع معاهدة (سيفر) (١٩٢٠)، تآمر البريطانيون والفرنسيون على المملكة العربية السورية، فنفت فرنسا الشريف فيصل، وتم حل المملكة العربية السورية عام (١٩٢٠) لتقسم بعد ذلك هذه المملكة إلى قسمين: قسم وضع تحت الاحتلال الفرنسي، وقسم آخر رزح تحت الاحتلال البريطاني. في عهد الإنتداب البريطاني عام (١٩٢٠)، أطلق المستعمر البريطاني بالاتفاق مع المستعمر الفرنسي اسم فلسطين على جزء من أراضي المملكة العربية السورية المنحلة، وكانت فلسطين هذه تضم كلا من:
١. فلسطين المحتلة بحدودها الحالية.
٢. المملكة الأردنية الهاشمية بحدودها الحالية.
لذلك وبحسب حدود فلسطين التي رسمها الاستعمار عام (١٩٢٠) كان العرب شرقي والنهر وغربيه: فلسطينيين.
خضت فلسطين بحدودها المذكورة أعلاه للانتداب البريطاني وعرفت ب(فلسطين الانتدابية)، مع ذلك في عام (١٩٢١)، منح الاستعمار البريطاني العرب في شرقي نهر الأردن حكما ذاتيا، وتم إعلان قيام إمارة شرق الأردن؛ إلا أن هذه الإمارة بقيت ضمن حدود فلسطين الإنتدابية ولم تنفصل عنها حتى عام (١٩٤٦). وهذا يعني أن العرب شرقي نهر الأردن وغربيه كانوا كلهم فلسطينيون ولمدة (٢٥) سنة، كما كانوا من قبل سوريون لمدة سنتين.
في عام (١٩٤٦)، استقلت إمارة شرق الأردن عن فلسطين الإنتدابية وعن البريطانيين، وتم إعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية. وهنا ولمدة عامين فقط سيكون العرب شرقي النهر أردنيين، أما غربيه فسيكونون فلسطينيين.
في عام (١٩٤٨)، وبعد حرب تحرير فلسطين التي انتهت بالسيطرة فقط على أراضي الضفة والغربية وغزة. نودي في مؤتمر أريحا عام (١٩٤٩) بالملك عبد الله بن الحسين ملكا على كامل التراب الفلسطيني، فتوحدت الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، إلا أن الأردن خسر أراضي الضفة الغربية في حرب (١٩٦٧) لصالح العدو الصهيوني، مع ذلك استمرت وحدة الضفتين حتى (١٩٨٧). وهذا يؤكد أن العرب شرقي نهر الأردن اتحدوا من جديد مع جزء من العرب غربي النهر وأصبح الجميع :أردنيين.
أما في (١٤ من فبراير ١٩٥٨) تم إعلان قيام (الاتحاد العربي الهاشمي) بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية، وتم تعين الملك فيصل الثاني ملكا على هذا الاتحاد وكان نائبه الملك حسين بن طلال. وهكذا أصبح كل من العراقيين والأردنيين أصبحوا: اتحاديين.
وفي عام( ١٩٨٧)، وبعد ضغوط من منظمة التحرير الفلسطينية وقيادات عربية، تم إعلان فك الارتباط بين الضفتين، وتم سحب الجنسية الأردنية من أهل في الضفة الغربية المتواجدين فيها فقط، وليس ممن يقطنون في الضفة الشرقية لنهر الأردن. وفي نفس السنة أعلن في الجزائر قيام دولة فلسطين، التي يفترض أن تكون على أراضي الضفة الغربية وغزة فقط.
خلاصة القول أنه لو لم يكن هنالك احتلال فرنسي وبريطاني لكنا كلنا سوريون تابعين للملكة العربية السورية بقيادة هاشمية. ولو لم يكن هنالك احتلال صهيوني لكنا كلنا في وطن واحد شرقي النهر وغربيه وبقيادة هاشمية.
ومع ذلك، على الرغم من جرائم الاستعمار الغربي والصهيوني، فلقد شاء الله عز وجل أن يوحد القوم شرقي النهر وغربيه برابط الدم والعروبة والدين واللغة، والجغرافيا والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد، والقبيلة والعشيرة والنسب، والآمال والآلام.
على الرغم من كل هذا يصر البعض على التغاضي عن مشيئة الله بالوحدة، ويقدسون قلم الاستعمار وخطوطه التي خطها على الجسم الواحد فقطع بها أرحام وأوصال هذه الأمة.
فيا حبذا ولو نعي التاريخ، وندرك هويتنا، فنترفع عن دعوى الجاهلية المنتنة، ونترفع عن كل ما يجلب الفرقة. وفي نهاية الحديث أختم بحادثتين وقعتا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. في الحادثة الأولى تخاصم اثنان من المسلمين أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج، فتفاقم الخلاف وكبر حتى أن القوم تنادوا للقتال وتواعدوا عليه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، فقال:
“يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للاسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم”، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس رجال الخزرج. كما وجاء فى البخارى أن رجلين من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ [ضرب] رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة.”
فهل سندع دعوى الجاهلية المنتنة؟ أم سنواصل التغني بقيس وتميم؟!
.
والله من وراء القصد