ينال البرماوي
أعتقد أن كافة الجهات الرسمية من أجهزة حكومية وأمنية بخاصة الأمن العام / الدفاع المدني نجحت في التعاطي مع حادثة العقبة « سقوط الصهريج وتسرب الغاز « بمنهجيات تعكس درجة الاستفادة من الاخفاقات السابقة والدروس التي نتجت عن أزمات سابقة ما تزال راسخة في عقلية المواطن الأردني نتيجة لحالات التخبط وغياب التنسيق و اخفاء الحقائق وتعدد الروايات الاعلامية بل التهرب من تقديم معلومات للشارع حيالها وتركه عرضة للاشاعات ونشطاء التواصل الاجتماعي.
محاولات تجاهل وعي الشارع الأردني وقدرته على الوصول الى الحقائق والتفاصيل في ظل اتساع قنوات الاتصال والتواصل سيما وقت الأزمات كانت أحد الأسباب الرئيسية في اتساع أزمة الثقة بين الحكومات والمواطنين لدرجة أن معظم ان لم يكن جميع ما يصدر عن الجهات الرسمية حتى و ان كان صحيحا وفي الاطار الايجابي دائما موضوع تشكيك.
على صعيد الأزمة الأخيرة بالفعل نجحت مؤسسات الدولة بقيادة جلالة الملك وبشكل غير مسبوق في التعاطي مع الأزمة منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادثة بدءا من تحرك الجهات صاحبة الاختصاص وفي مقدمتها الدفاع المدني حيث كان تسرب الغاز بمثابة اختبار حقيقي نجح في التعامل معها بها باقتدار من خلال السيطرة على انتشار الغاز بطرق علمية وكيمائية جنبتنا والحمد الله تعالى خسائر بشرية أكبر من التي وقعت .
كما أن تحرك الحكومة مباشرة بمؤسساتها المختلفة قد عزز من الجهود التي بذلت للتعامل مع الأزمة في بدايتها وذلك من خلال :
– تواجد رئيس الوزراء ميدانيا مباشرة في العقبة ومكان الحادثة .
– تقديم رواية اعلامية سريعة ومباشرة للشارع الأردني بما حدث وايراد التفاصيل أولا بأول وتمكين وسائل الاعلام من استقاء المعلومات الصحيحة من مصادرها ما قطع الطريق على الاشاعات والتي كان يمكن أن تذهب لأبعد من حادثة عرضية وقعت بسبب الأهمال والتقصير ولا يخفى أن بعض مروجي الاشاعات ومن يطلقون على أنفسهم محلليين ومختصين كانوا « يهلوسون للقول بأن ما حدث ناتج عن عمل ارهابي «وهذا لم يكن بالأمر المستبعد من قبلهم .
– اعطاء وسائل الاعلام المحلية المساحة الكافية لتغطية الحادثة ونقل الحقائق الى المواطنين لحظيا بما في ذلك امكانية التصوير مكان الحادثة وهذا يقود للتأكيد على أهمية التوقف عن عدم قرارات حظر النشر في هكذا قضايا وغيرها لان غياب وسائل الاعلام المؤسسية يعني نشاط الاشاعة والفبركة والقيل والقال والاجتهادات من وحي الخيال.
– الاسراع بتشكيل لجنة للتحقيق بالحادثة والتعهد بالكشف عن الحقائق ووضع الأردنيين في صورتها بالسرعة الممكنة والتعهد بمحاسبة كل من يثبت تقصيره أو علاقته بسقوط الصهريح وتسرب الغاز.
– بسرعة لم نعتدها من قبل أعلنت الحكومة بالأمس عن نتائج التحقيق وتحديد الخلل في الحادثة والأشخاص من مسؤولين وفنيين الذين رأت اللجنة تقصيرهم في عملهم واتخاذ اجراءات بحقهم مباشرة كانهاء خدماتهم واحالة الملف الى القضاء فيما سابقا شكلت لجان وأخذت وقتا طويلا ولم تخرج بنتائج وتوصيات عملية ازاء المشكلة التي تولت التحقيق فيها ومن اللجان سمعنا بتشكيلها فقط : « شكلت وماتت في نفس اللحظة».
ولكن بالتأكيد هنالك من يفترض وجود أشخاص في مواقع قيادية ووظيفية متقدمة يجب أن يتحملوا المسوؤلية ولو من الناحية الاخلاقية .
– مسارعة مؤسسة الضمان الاجتماعي لبيان الحقوق التي تستحق لورثة وعائلات المتوفين والمصابين مهم أيضا وهنا ندخل في أحد الأساليب المتقدمة في علوم العلاقات العامة للتعامل في مثل هذه الأزمات .
– البناء على النجاح – رغم الفاجعة – والدروس المستفادة أمر ضروري أيضا للتعامل مع أي أزمات قد تحدث مستقبلا أيا كانت درجاتها والعمل لمزيد من تفادي الاخفاقات السابقة.
– عملية التقييم والمتابعة للمسؤولين وكافة العاملين بخاصة في المواقع الحساسة والأعمال الميدانية يجب مأسستها والابتعاد عن الواسطة والمحسوبية والمحاصصة المناطقية لدى التعيين بحيث لاتكون المعالجات وقت الأزمات وليس بالفزعة.
– مطلوب الاهتمام أكثر ببيئة العمل والسلامة المهنية في كافة المناطق وعلى وجه الخصوص الحساسة والتي تشمل بالاضافة الى موانيء العقبة الشركات الكبرى مثل التعدين والكهرباء والمصفاة والمصانع الكبرى وقطاعات الانشاءات والمقاولات وغيرها بحيث يتم تعميم فكرة انشاء مراكز السلامة المهنية والزامية تعيين اخصائيين في هذا المجال والفحص الدوري واليومي للأليات الثقيلة والخطرة .
– ننتظر خلال الفترة المقبلة مزيدا من الاجراءات التي تضع مؤسساتنا على طريق البدء بمرحلة جديدة لاستعادة ثقة المواطن التي تعمقت على مدى عقود وأهم ما في ذلك احترام عقله وحقه بالمكاشفة والمعلومة الصحيحة والكف عن محاولات التذاكي الرسمي في بعض القضايا.