د.عبدالله القضاة
من خبرتي المتواضعه يمكن القول :” ان نظام الخدمة المدنية وتطبيقه المشوه يشكل أحد الاسباب الرئيسة لاندلاع أزمة المعلمين” ، وقد يتساءل البعض : كيف يكون ذلك ؟، وهل تشريعاتنا سببا لدولة القانون أم هي مدخلا لزعزعة الإستقرار وفساد الإدارة ؟!
عندما تم تطبيق هيكلة الرواتب بحكومة د.عبدالله النسور وشمول معظم مؤسسات القطاع العام – بإستثناء البنك المركزي – بنظام الخدمة المدنية ، من خلال تسكينهم على الفئات والدرجات الوظيفية الوارد بالنظام ؛ اعتبر بعض الخبراء هذا القرار حينها أنه تحقيق للعدالة وإزالة للتشوهات التي كانت سائدة في رواتب بعض المؤسسات والهيئات المستقلة ، غير أن حقيقة الأمر كانت غير ذلك ، لابل خلق النظام بحكم قصوره تشوهات جديدة سنأتي على ذكرها بمقالات لاحقه.
وكردة فعل على النظام ، فقد احتج العديد من موظفي المؤسسات التي فقدت بعض المزايا ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر موظفي دائرة ضريبة الدخل وتطور احتجاجهم الى اضراب الأمر الذي دفع الحكومة حينها الى إتخاذ قرار مخالف لنظام الخدمة المدنية يقضي بمنح موظفي الضريبة مكافأه شهرية ثابته بنسبة (100%) من الراتب مع شمولها بقانون الضمان الاجتماعي.
بعد هذا القرار بدأت بعض المؤسسات بالتحرك لتحقيق مكاسب لموظفيها ، مستفيدة من نصوص النظام والتعليمات الصادرة بموجبه والتي تسمح بصرف مكافأه شهرية للموظف بما لايتجاوز (500) دينار شهريا ، فوزارة التخطيط نجحت بالحصول على قرار بمنح الموظف مكافأه شهرية ثابته بمقدار راتبه وحذت حذوها بعض المؤسسات ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارة العمل وصندوق استثمار اموال الضمان وغيرها الكثير.
في غمرة حصد هذه الغنائم حرم موظفي بعض الوزارات من المكافآت بحجة كبر حجم موظفيها وعلى رأسهم موظفي التربية والتعليم وبشكل خاص المعلمين .
في عام 2017 وعندما كنت أمينا عاما لوزارة تطوير القطاع العام قامت الوزارة باعداد تصور لتوحيد مكافآت الموظفين وفق معايير الأداء غير أننا لم نوفق في ضبط هذا الخلل لأسباب لاداعي لذكرها.
اليوم رواتب القطاع العام تشهد تشوها غير طبيعي ، فلو طلبت جهة ما سحب كشوفات الاجور المشمولة بالضمان من مؤسسة الضمان الاجتماعي لرأت العجب العجاب ، ستجد ان راتب المعلم المشمول بالضمان في الدرجة الثالثة مثلا (500) دينارا في حين أن زميله بذات الدرجه في وزارة العمل (850) دينارا والآخر في وزارة التخطيط (1000) دينارا وكذا الضريبة وصندوق الضمان الاجتماعي والعديد من مؤسسات الدولة ، وعند الحديث عن فجوة الرواتب يخرج لك موظف ” الضريبه ” مثلا كشف راتبه الأساسي ليقول لك بتألم ” كل راتبي( 500) دينارا مثلي مثل معلم المدرسة.
هذه الحكومة لا أعتقد ” وهي تحتضر” قادره على حل أزمة المعلمين ، فالأزمة لن تنتهي حتى لو وافقت الحكومة على صرف علاوة (50%) للمعلمين ، لان غيرهم سيتحرك فمعظم موظفي الدولة يعانوا من فجوة الراتب وتباين المزايا الوظيفية لانعدام مبدأ تسعير الوظائف وبعض موظفي المؤسسات ينطبق عليهم مقولة “الي بحضر عنزته بتجيب توم “!.
أزمة المعلمين أزمة ادارية ستنتقل كالهشيم الى معظم مؤسسات الدولة وهذا ما جنته الحكومه بفضل سياتها الادارية الخاطئه وتوزير الاصدقاء واقصاء الكفاءات الوطنية ، ومن غير تدخل ملكي سريع فإننا نسير نحو النفق المظلم .
اللهم أني بلغت اللهم فاشهد
د.عبدالله القضاه / أمين عام وزارة تطوير القطاع العام سابقا