مكرم الطراونة
صحيح أن فيروس كورونا أتى على القطاعين؛ الصحي والاقتصادي في البلد، وتركهما يصارعان للبقاء في ظل عدم القدرة على التعاطي مع زيادة أعداد الإصابات والوفيات، ما أجبرنا على أن نعيش أزمة تلقي بظلالها الرمادية على المستقبل، ما عدنا قادرين على التنبؤ بالحالة الوبائية في مقبل الأيام والأشهر.
ومع ذلك ينبغي أن نكون واقعيين، فأزمتنا في الملفين السابقين لم تبدأ منذ جائحة كورونا فقط، فهي أزمة طاحنة ممتدة على مدار سنوات، واليوم نحن ندفع ثمن تخاذلنا واستهتارنا وتقاعسنا عن القيام بواجباتنا في الماضي، تلك السنوات التي بحت أثناءها الأصوات التي تنادي وتؤكد على ضرورة الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، وتحصين جبهتنا الداخلية؛ صحيا واقتصاديا.
لم نتمكن من وضع حلول اقتصادية، والتحول إلى دولة منتجة، دولة صناعية حتى بالحدود المعقولة التي تتناسب مع الإمكانيات والتحديات. أضعنا فرصا عديدة لجذب الاستثمار بعد أن تمسكنا بقوانين وتشريعات وضرائب منفرة، في وقت كانت دول أخرى كمصر والإمارات وتركيا تستحوذ على الحصة الأكبر في هذا الجانب.
فشلنا في زيادة الدخل من السياحة العلاجية، ونحن منذ الأزل نحمل ثقة محلية ودولية في القطاع الصحي، وفشلنا أيضا في استثمار الربيع العربي منذ العام 2011 لنكون وجهة وحيدة للسياح من دول الخليج وأوروبا. وفشلنا أيضا في وضع رؤية لأولويات الصناعة المحلية، واحتياجاتنا الداخلية واحتياجات السوق العالمي، كما فشلنا في المنافسة بما نصنع.
أطرنا أنفسنا في فخ الرغبة في الاعتماد على الزراعة وتطوير أدواتها وتنويع مخرجاتها لتكون رافدا للاقتصاد الوطني، وبالتالي تساهم في النمو، وتخفف من نسب البطالة وتحد من قسوة الفقر. استسلمنا للرغبة ولم نحولها إلى حقيقة. وعلى غرار ذلك لم ننجز شيئا في ملف الشباب!
الأزمة التي نعيشها اليوم بدأت بسبب اختيار المسؤول غير المناسب، وفق قاعدة المحسوبية والصداقة، ممن يطربون للألقاب والمناصب على حساب العمل الميداني وبذل الجهد. وها هم هؤلاء اليوم يقودون العطوات والجاهات باعتبارهم أصحاب ذوات سابقين.
الأزمة الحقيقية هي سياسية أيضا، فالجميع يقف اليوم أمام تحول سياسي إصلاحي مفترض، قوامه تطوير الحياة السياسية والقوانين الناظمة لهذه العملية كقانوني الأحزاب والانتخاب. لكن واقعيا هذه الوقفة ليست الأولى، فعلى مدار الأعوام العديدة السابقة أطلق العديد من برامج الحوار الوطني السياسي لذات الغاية، لكنها في معظمها كانت بمثابة وهم، لم نقطف منه سوى الخيبات!
إذن، ما الذي ستقدمه الحكومة اليوم؛ النية أم الإرادة الحقيقية للإصلاح؟
خارجيا، لدينا أزمة أخرى، ونحن نعيش في منطقة مضطربة سياسيا وأمنيا، وحتى اقتصاديا. العالم يتغير من حولنا باستمرار، والتحالفات اليوم ليست هي ذاتها بالأمس، وبالتالي ما كان يعتمد عليه في رسم وتحديد ملامح سياستنا الخارجية سابقا، ليس هو ذاته اليوم، وقد عشنا تجربة مريرة مع فترة رئاسة دونالد ترامب.
أولويات الدول التي تحكم علاقاتها اختلفت كثيرا، وبات “التغيير أقرب من حبل الوريد”، وهذا لا شك سينعكس سلبا على الداخل في كل دولة.
أين نحن اليوم من كل هذا التحول؟ ما يجري خارج حدود الأردن لا يقل أهمية عن الأزمة التي نخوض بها جراء فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية. أين نحن من ملف أميركا وروسيا، أو أميركا وإسرائيل، أو أميركا والسعودية، والتقارب المصري التركي، وما الذي نريده بالضبط من الحلف الجديد؛ الأردن ومصر والعراق.
الأزمة التي نعيشها اليوم لم تكن وليدة الصدفة، وإنما هي واقع صنعناه بأيدينا، وغرقنا في وحله، وسارع كل منا ليتهرب من مسؤوليته، لكنه ورغم كل ذلك، فالتاريخ يقول إننا في بلد رغم التحديات الداخلية والخارجية التي يصارع فيها، إلا أنه قادر على تجاوز كل ذلك إن أراد أبناؤه المضي قدما نحو الأمام. كل ما يحتاجه هو أن يجد من يستطيع أن يعمل ويصنع الفرق.