يبدو أن إسرائيل ماضية إلى الصدام الكبير مع السلطة الفلسطينية، ومع أهلنا في فلسطين، ومع الأردن كذلك عبر شروعها ضم الغور الفلسطيني المحاذي للغور الأردني منتصف حزيران 2020، وهدفها القريب والمتوسط المدى إفشال قيام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين بعاصمتها المنتظرة القدس الشرقية، وإعاقة مسار الوصاية الهاشمية الأردنية لتاريخية المؤسسة منذ عهد ملك العرب الشريف الحسين عام 1924 على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وكما تهدف إلى العودة إلى نغمة (الوطن البديل) والتهجير الفلسطيني القسري تجاه الأردن، وإلى مزيد من الضغط على الهوية الأردنية وخلطها بالهوية الفلسطينية، ولكي تتفرغ أي (إسرائيل) للتوسع في بناء دولتها الاحتلالية، الاستعمارية، والاستطيانية، على حساب العرب من فلسطينيين وأردنيين. وتستمر من جانب اخر وبالتعاون مع أميركا للسيطرة على ورقة الجولان – الهضبة السورية العربية والإبقاء على احتلالها منذ عام 1967 واحتلال مزارع وتلال شبعا اللبنانية، ما دامت سوريا لا توقع معاهدة سلام مع إسرائيل بلا شروط، وما دام لبنان يصر على أن يكون السلام الإسرائيلي معها أخيراً بعد كل العرب، وما دامت إسرائيل تصر على تجريد حزب الله من سلاحه المهدد لأمنها حسب اعتقادها وليس العكس لكل لبنان.
وفي المقابل تتمسك إسرائيل بمعاهدة السلام مع الأردن الموقعة عام 1994 وتعتبرها مصلحة مشتركة حسب تصريح حديث لنتانياهو. وهكذا هي تنظر لمعاهدتها للسلام مع مصر الموقعة عام 1979. وتمارس إسرائيل ديكتاتورية الاحتلال والاستيطان، والاستعمار على العرب من طرف واحد، وتقيم معهم سياسة العصا والجزرة ، فنلاحظها تقيم السلام مع بعض العرب علناً وسراً، وتقصف المقاومة العربية في فلسطين وفي لبنان كلما رفعت رأسها، وتلاحق إيران وحراكها العسكري الاستشاري وعبر المليشيات، وحراك حزب الله اللبناني كذلك في سوريا مخترقة السيادة السورية علناً، وتتمرد على القانون الدولي.
فما هو سر تمرد إسرائيل على العرب؟ وما هي الأسرار التي تحتمي خلفها ؟ وما هي خيارات التعامل مع إسرائيل التي وردت في تصريح جلالة الملك عبد الله الثاني “حفظه الله” لمجلة دير شبيغل الالمانية بتاريخ 15 أيار 2020؟ حيث قال جلالته وقتها “لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهييء جواً للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات. ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب أن يطبق في الشرق الأوسط”. وكشف جلالته أن الجامعة العربية رفضت حل الدولة الواحدة الذي تنادي به إسرائيل، وبأن الأنسب والممكن هو حل الدولتين. وتصريح جديد لوزير خارجيتنا أيمن الصفدي يؤكد قبول بريطانيا بحل الدولتين، وجاء هذا بعد زيارة لوزير خارجية بريطانيا أندرو موريسون إلى الأردن بتاريخ 27 آيار2020، وقوله بأن بلاده بريطانيا معنية بالإبقاء على الأردن أمناً ومستقراً ومستداماً اقتصادياً.
وفي المقابل أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن توقيفه لعلاقات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، وما يتعلق بالتنسيق الأمني أيضاً، ومع أميركا بتاريخ 1 شباط و23 نيسان 2020، بعد إعلان واشنطن خطة الحل النهائي للقضية الفلسطينية تماشياً مع معايير “صفقة القرن” التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل . وأزالت إسرائيل اشارات كانت تمنع المستوطنين اليهود من دخول الغور الفلسطيني – الأردني. وزيارة وزير خارجية أميركا مايك بومبيو “مدير جهاز الـ CIA – الاستخبارات الأميركية سابقاً” الأخيرة لتل أبيب بتاريخ 13 أيار 2020 من دون العروج على رام الله وعمان، أعطت إشارة جديدة على استمرار واشنطن بالانحياز لإسرائيل، إلى جانب التصريح العلني للإعلام بأن مشروع ضم الغور هو شأن إسرائيلي داخلي، وهو أمر مؤسف حقاً. وقابل هذه المعادلة تصريح أميركي حديث أيضاً يشيد بأهمية علاقة واشنطن مع الأردن، والواجب أن تبقى هادئة مع إسرائيل بحسب أميركا. وسفير جديد لأميركا في عاصمتنا الأردنية عمان يُدعى هنري ووستر بعد فراغ دبلوماسي أميركي رفيع المستوى منذ مغادرة السفيرة الأميركية الجدلية اليس ويلز.
وإسرائيل بالمناسبة ليست دولة، وإنما كيان شكلته عصابات إرهابية مثل ” هاشومير، والهاجاناه، وارجون، وشتيرن” وجميعها امتداد للصهيونية الماكرة التي انطلقت من رحم مؤتمر بازل الصهيوني المشهور وتحت مظلة الصحفي تيودور هرتزل وإعوانه عام 1897 . ولا علاقة مباشرة لجهود الجيش الأحمر السوفييتي كما أعتقد ابان مطاردته لنازية اودولف هتلر إلى عمق برلين عام 1945 نهاية الحرب الوطنية العظمى “الثانية” وتشكيل ما يسمى بدولة إسرائيل. واليهودية التي تعرضت لمحرقة “الهولوكوست ” كما تدّعي لم تكن وحدها المستهدفة آنذاك من قبل النازية الالمانية بل كل السوفييت والبشرية جمعاء . وكان بأمكان اليهود أن يبقوا في بلاد السوفييت أو أن يتوجهوا إلى إقليم القرم – تماماً كما نصحهم بذلك الزعيم السوفييتي الجورجي الأصل جوزيف ستالين عام 1950 . ومشكلتنا نحن العرب ليست مع اليهودية كدين سماوي أو عرق، وإنما مع تلاحمها مع الصهيونية كونها مؤسسة استعمارية عنصرية خبيثة. وفضل اليهود السوفييت من “باراد بيجان” وغيرها، من أوروبا، وأميركا وأفريقيا التلاقي مع البروتيستانت والتوراة اليهودية المزورة للتوجه إلى فلسطين، وللبحث عن هيكل سليمان المزعوم، وإلى عمق الشرق الأوسط الذي يراد ويخطط له حتى يبقى هائجاً عبر الحروب، والربيع العربي، والإرهاب، وكورونا، وليبقى يعاني من الاحتلالات ومن الاستيطان والاستعمار المباشر وغير المباشر.
ومفهوم (دولة إسرائيل) الذي انبثق عن قرار تقسيم فلسطين عام 1947 التف واحتال صهيونيا على عصبة الأمم المتحدة، واستغل تشكيلها من قبل السوفييت، وأميركا، وبريطانيا عام 1945 نهاية الحرب العالمية الثانية . وحصد مؤازرة دولية لم تأخذ بعين الاعتبار شرعية فلسطين التاريخية وارتباطها بعمقها الكنعاني قبل أكثر من 5 الاف عام، وركزت فقط على مرور اليهود من هنا من الشرق عبر 80 عاماً فقط . والدولة أية دولة بما في ذلك إسرائيل الأصل أن لا تتجاوز حدودها، حدود الرابع من حزيران عام 1967 وفقا للشرعية الدولية خط أحمر الواجب قانوناً أن تلتزم به . ولا يجوز استغلال الشرعية الدولية والقانون الدولي عبر مجلس الأمن ، والأمم المتحدة لصالحها فقط ، ما دام العالم و حيداً، ويشكل البيت الوحيد . وامن المنطقة والعالم مطلوب دائماً . فما هي ركائز إسرائيل وأسرار قوتها يا ترى؟
أولها هنا وحسب تصوري هو امتلاكها للقوة العسكرية ومنها “النووية” غير التقليدية منذ ميلاد دولة إسرائيل بقوة السلاح عام 1948 . حاولت إخفاء معلومة ترسانتها النووية إلا أن الخبير المغربي الأصل مردخاي فعنونو كان لها بالمرصاد وعبر صحيفة الصنداي تايمز البريطانية عام 1986. وثانياً ارتباط العسكرة الإسرائيلية بأهم اقطاب العالم وفي مقدمتها “الناتو”، ومليون روسي مهاجر ومنهم من اليهود العاملين في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي “الدفاع”. وثالثا تغلل اليهودية إلى غرف قيادة أكبر وأقوى دول العالم مثل أميركا عبر مؤسسات “الايباك” و “البنتاغون” و “الكونغرس” . وإلى قصر الكرملين القيادي في موسكو أيضاً . وكتاب زينكوفيج نيكولاي الكساندروفيج “الموسوعة البوتينية” يكشف عن عمل حوالي 400 شخصية روسية قيادية في الكرملين معظمهم من أصل يهودي مثل) فيلاتوف، جوبايس، فولشين، كيريينكا، قايدار، وبارامانوفا) وغيرهم الكثير، ومليون ونصف مليون يهودي في روسيا الآن من أصل تعداد السكان البالغ عددهم حوالي 150 مليون نسمة . ورابعا فإن القرار السياسي في إسرائيل هو أمني بالدرجة الأولى يعود للموساد، ولأهم الأحزاب الحاكمة الكبيرة مثل ( الليكود وازرق أبيض ) المناهضين للعرب والممارسين للعنصرية مباشرة . وتدفع إسرائيل إلى الواجهة دائماً شخصيات سياسية متطرفة وعنصرية مثل بينيامين نتانياهو وبيني غانتس . وخامسا استثمار إسرائيل لمعاهدتي السلام الأردنية والمصرية لصالحها بهدف المحافظة على أمنها. والتغول يهودياً وصهيونياً وسط العرب وصوب كردستان العراق . وسادساً الاقتصاد الإسرائيلي المرتكز على اقتصادات العالم وبأنفتاح كبير، واستفادة كبيرة من تبعات الحرب الباردة التي يصر الغرب الأميركي على استمراها . وسابعاً السياحة الإسرائيلية المعتمدة على العالم وعلى العرب تحديداً وسط عمق حضارتهم، والترويج إسرائيليا لتاريخ وحضارة المنطقة واستثمار ذلك لصالح خزينتهم . وثامناً حري بالعالم أن يعرف بأن صفقة القرن التي وقعها ترمب هي صناعة مباشرة للأيباك، والموساد، و الـ “CIA” والكونغرس، والبنتاغون، وتنعت المقاومة العربية ومنها الفلسطينية بالإرهاب ، ولا تقبل بدولة فلسطينية كاملة السيادة إلى جوار إسرائيل.
وحري بي هنا أيضاً أن الفت الانتباه إلى أن علاقات دول العالم بإسرائيل متباينة رغم اختراق إسرائيل لمعظمها، فروسيا مثلا توازن في علاقاتها الخارجية بين إسرائيل ورغم متانة العلاقات الجيوبولوتيكية معها وبين العرب . ولا تختلق الحروب وتوقع اتفاقات اقتصادية وثقافية مشروعة معهم . وتلتزم بالقانون الدولي، وتحترم مظلتي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكذلك مظلة” المحكمة الدولية ” . ومع ذلك نلاحظ عدم تدخل روسيا بالاختراقات الإسرائيلية لسوريا التي تستهدف إيران. وخير من وصف الموقف الروسي في منطقتنا والعالم هو وزير خارجيتنا الأسبق المرحوم كامل أبو جابر، وهو الذي كتب لمقدمة كتابي ” الرهاب الروسي غير المبرر “بأن الوجود الروسي على صعيد المنطقة والعالم ضروري وسلمي. وبأن الاستشعار بالرهاب الروسي مفتعل وغير واقعي وغير مبرر. وأميركا وإسرائيل في المقابل وجهان لعملة واحدة، والهدف تقديم مصالح إسرائيل وأميركا عبر قطبها الواحد على العرب وإيران والصين تحديداً، وافتعال الحروب معهم ومنها البيولوجية مثل “كورونا” ، وعلى مستوى نشر الإرهاب. وإلا لماذا اختفى الإرهاب مع قدوم موجة جائحة كورونا؟
وإسرائيل بالنسبة لأميركا الضابط من انهيار القطب الواحد، وبالنسبة لروسيا ركيزة أساسية وسط الحرب الباردة. ولقد أفشلت روسيا في ذات الوقت تحكم القطب الواحد الأميركي عبر نشرها لسياسة الأقطاب المتعددة. ولا علاقة بين إسرائيل وأميركا من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، وحرب باردة بينهما وساخنة تارة والمخفي معتم وبعيد المدى. وعلاقة إيران مع العرب ذات حدين: مناصرة لخط المقاومة والقومية واختراق للعرب عبر هلال شيعي صفوي واسع الانتشار يمارس الاحتلال لجزر الإمارات في ذات الوقت. وشعار سرابي لإيران يدعو لتصفية إسرائيل وينذر بقرب نهايتها لم يتحقق منه شيء في وقتنا المعاصر.
فما هي فعلاً الخيارات الممكنة للتعامل مع إسرائيل بهدف حفظ مصالح العرب العليا ومنها في فلسطين وفي الأردن تحديداً؟ وهنا كلنا نعرف بأن حروب إسرائيل التي افتعلتها مع العرب، أو تلك التي خطط لها العرب ضد إسرائيل في زمن (عبد الناصر، والسادات، وحافظ الأسد، وصدام وحسن نصر الله، “جزئياً”) لم تثمر، وأبقت الاحتلالات تراوح مكانها. وحققت في الوضع المقابل انتصارات معنوية مهمة للعرب في المقابل ليس أكثر . ولا توجد حرب لم تفض ِ إلى اتفاق أو وقف للنار وللقتال أو لسلام. فلماذا لا يسبق السلام كل الحروب؟ ولماذا لا يكون السلام عادلاً و شاملاً؟ قال مارك تولي تسيتسيرون قبل التاريخ بأن سلاماً ضعيفاً خير من حرب مدمرة.
ويبقى الخيار الأمثل هو الذي كتبت لي به رداً على سؤالي لها بخصوص غور الأردن وزيرة الثقافة الأردنية سابقاً الدكتورة نانسي باكير حيث قالت بأن رفع قضية في المحكمة الدولية، ودراسة الموضوع قانونياً بعد التعاون مع خبراء القانون الدولي، ومثلها هنا إعادة مصر لطابا بقوة القانون. ويقابل ذلك اقتراح لي بضرورة استخدام “العين الحمرا” مع إسرائيل في الوقت المناسب عبر تصفير بنود معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية خاصة ما يتعلق بالتعاون اللوجستي. والدعوة إلى قمة عربية استثنائية لتوحيد صفوف العرب بوجه المد الإسرائيلي وبكامل عمقه الصهيوني، وهو الذي اعتاد على افتعال الحروب واستغلال السلام لتحقيق أهدافه العدوانية التوسعية والاستيطانية.