أ. سعيد ذياب سليم
أطفال ولكن
تراهم يلعبون في المساحات الضيقة بين أحلامنا و أحلامهم، يلاحقون الكرة يقلدون حركات الكبار ” زيدان” و ” رونالدو” و ” نيمار”
يملكون من الحلم لون قميص رياضي لأحد الفرق المشهورة وربما رقم اشتهر به أحد اللاعبين ، تندفع الكرة الى الشارع يقفز خلفها أحدهم
يفاجئه سائق متهور يسرق منه حلمه، يقف واضعا يديه على أذنيه يراقب انسحاق الكرة تحت عجلات السيارة ليعود خائبا بكرة ممزقة.
فلنرفق بهم، إنهم يلعبون حولنا يزاحمون انشغالنا عنهم، قلة منهم استطاع أن يكون على أرض ملعب لأحد الأندية أو على حلبة ترعاها
مؤسسة ما، هم المستقبل الجميل الذي من أجله نعيش فماذا وفرنا لهم ليعيشوا طفولة طبيعية تصنع فتيانا وفتيات أسوياء؟
في زمن امتزجت فيه الثقافات ولم تعد الحدود تحول بيننا و بينها بل أصبحت تدخل إلى بيوتنا وقتما تشاء و من أوسع الأبواب ، وهذا
يناسب البعض منا بعض الوقت على ما في ذلك من جمال لم نكن لنصل إليه لولا التكنولوجيا الحديثة و ثورة الاتصالات والتي يُكثر أطفالنا من
استخدامها عبر هواتفهم الذكية معرضين أنفسهم إلى مخاطرها فهم يستطيعون الولوج إلى مفردات ثقافية غير مستعدين لها نفسيا أو عاطفيا أو جسديا.
تالا طفلة رقيقة، جلست تحضّر درسها عن الفلكلور مستخدمة ” التابلت ” الخاص بها، أثناء تصفحها شبكة الإنترنت أخطأت فطبعت
“الكلفلور” فكانت النتيجة صورا عديدة ملأت الشاشة تتحدث عن القرنبيط وطرق اعداده للأكل مبتعدة بها عن موضوعها الرئيسي،
ولولا القليل لانفتح الجحيم أمامها. كم من الأطفال عرّضتهم أخطاؤهم إلى مواقف غريبة فتأثرت معارفهم بها!
وهذا يغير تركيبتهم الوجدانية بمعدلات غير متناسقة، فربما يملكون المعلومة لكن لا يقدّرون أهميتها و خطورتها، كيف يفهمون الحرية
مثلا و كيف يتعاملون بها؟ هل هي أن تقوم بما تشاء وقتما تشاء و كيفما تشاء أم أن هناك شروط معينة يجب توفرها حتى تمارس حريتك ؟
ما يحدث أن هذا الطفل بمظهره الرقيق يحمل من الأفكار ما قد تضر به و بنا، فهو ليس ناضجا ليفهم ذلك ولم يعد ينظر إلى مختلف
الموضوعات ببراءة الطفولة ، علينا إذن أن نعيده إلى حظيرة الرعاية تحت مظلة ثقة محسوبة بدقة ونبني من جديد جسور التواصل والحوار
بيننا حتى يتعلم طريقة التفكير السليم ليستقل عنا بنفسه.
لنكن قدوة حسنة، عندما تجلس أمام ” التلفاز” لمشاهدة مسلسل السهرة، تذكر أن هناك أطفال حولك يرون الأشياء التي تراها ولكن
بدرجة وضوح أكبر مما تراها أنت، وقد تكون بعض المشاهد أو الكلمات التي يسمعونها تصنع لأحلامهم كوابيسا يصعب التعامل معها فارفق
بهم، لن تخدعك جماليات اللغة السينمائية التي تشاهدها ، لكنها تخدعهم وتقدم لهم الشيطان في إطار جميل ذو شخصية قوية محبوبة و
الحق بصورة ضعيفة منفرة ومن منا لا يكره الضعف و يهرب منه فبذلك تنخدع عقلية الطفل و ستحتاج زمنا طويلا حتى تتزن مرة أخرى
وبعد تجربة قاسية.
فإذا تناولت علبة سجائرك وأشعلت إحداها بطريقة ” أفلام رعاة البقر ” وأخذت تعب دخانها و تطلقه حلقات من فيك وتلاحقه بنظرة لا
تخلو من غموض فارفق بهم فهم لا يعلمون بعد أن هناك أنواع من الآلام تداوى ببعض السموم حركاتك فقط هي التي ترتسم في خيالهم
ليقوموا بتجربتها في أول فرصة تتاح لهم فالإنسان مقلد بارع تذكر ذلك، ومن يدري إلى أين يقودهم التدخين !
إنهم أطفال ولكن لم تكتمل طفولتهم و لم يصلوا إلى مرحلة الرشد بعد، هم ينمون بيننا فهل نسمح بتجاهلنا بتدميرهم أم نتركهم لأخطائهم ؟