فارس الحباشنة
العدس» لحم الفقراء «، ويقول الفقراء في تعزية انفسهم ان العدس يحتوي على بروتينات، وانه صحي، ومفيد للجسم افضل من اللحم .
و الفول دبوس البطن، وان الفول المدمس للجسم افضل من السالمون ولحم الغزال .. لا اعرف من اخترع هذه الوصفات، ومن اوهم الفقراء ببدائل رخيصة وشعبية ؟
و الفلافل «الطعميه « كافيار الفقراء .. ومعقول لو ان الفقراء قدم لهم فلافل وكافيار طبيعي وحقيقي، فماذا سوف يختارون ؟ وماذا سيختارون ما بين العدس ولحم الضان والفول والسالمون ولحم الغزال؟
ماركس قال : ان الدين افيون الشعوب . وهذه المقولة اكتسبت استراتجيتها في طعام الفقراء، والتمويه والتضليل الاجتماعي والطبقي للطعام، الحرمان والخداع والدجل في قيم واخلاق الطعام، والانزياح في القيمة الغذائية والدلالة الاجتماعية والنفسية .
و حتى الفول والحمص والفلافل سقط عنها القناع ولم تعد في متناول الجميع الان .. في عمان، افطار فول وحمص وفلافل في مطعم قد يكلف 20 دينارا واكثر .
و حبة الفلافل قفز سعرها من قرشين الى عشرة قروش، وارتفاع الاسعار وانشغال العالم في ازمة التوريد الغذائي والامن الغدائي وحرب اوكرانيا وصلت الى موائد الاردنيين الفقراء .
العالم مشغول في اسعار الحمص والذرة الروسية والاوكرانية، واخبار بواخر وسفن الشحن التجاري، وسلامة وصولها الى مراقد موانيها في الدول النامية والفقيرة .
لم يعد الفقر يعرف في ابجديات عصر العولمة، والعالم اليوم يجدول ويعيد تعريف الفقر والفقراء في ضوء تحديث للمفاهيم لما بعد كورونا وازمة الوباء، ونحت مفهوم المجاعة والفقر المدقع والعوز والحاجة، واقتصادات وليدة للفقر تتحدث عن نموذج للحرمان وسوء التغذية وعدم قدرة مجتمعات على الوصول الى ارخص الاطعمة وابسطها، والحصة اليومية الصحية من البروتين والكربوهديريات، وتعليق صورة رغيف الخبر شعارا وعنوانا لاحتقان طبقي واجتماعي وسياسي، وتنذر ببشائر ثورات للجياع والمهمشين والمنسيين .
الكرة الارضية تتفجر غضبا وظلما .. وفجوة التمييز الطبقي بين الاغنياء والفقراء تتوسع، وقلة قليلة في الدول والعالم تملك الثروات وتتحكم في الانتاج والاقتصاد وحياة ومصير مليارات من البشر .
في تقرير مجلة «فروبس» الاخير حول اغنياء العرب، وفي افقر بلدين عربيين مصر ولبنان ضمت القائمة بالصدارة عشرة رجال اعمال يملكون ثروات مليارية .
الفجوة الكارثية بين من يملك لقمة العيش ومن لا يملك تتسع وتتمعق في داخل الاوطان ..
و اعرف اردنيين في رمضان يفطرون على شوربة عدس، ولا يملكون ثمن وجبة افطار .. خط الغنى واليسر في الاردن رفيع ورقيق .. الندوات والمؤتمرات ومناسبات الاحتفال الموسمية لا تحل المشكلة .
في بلادنا تحول السؤال عن السياسة والعدالة الاجتماعية ترفا وكلاما طبقيا للاستهلاك، وفيما الناس مشغولون في لقمة العيش، والهم اليومي الرمضاني، ماذا ناكل ونشرب ؟
وما يقهرك ويصيبك بالحسرة واللعنة ما ينفق على الموائد والولائم والاحتفالات، وكيف تتسلح طبقة مترفة وثرية بمساحيق الثرثرة والتجميل الاعلامي لتزهق ملايين الدنانير على تحسين صورتها، وفيما يقبع الملايين في الجوع والفقر ؟
الانسان كان ياكل ليعيش، واصبح اليوم يعيش لياكل .. وكم ان الحياة اصبحت ممتهنة، واصبحت بلا قيمة ومعنى وقدر .. واناس بطونهم متخمة من الخبز الحاف، والفول والفلافل، ولعابهم يسيل كلما سمعوا عن خبر عزومة ووليمة ومائدة طعام فاخرة .
فهل خلق الانسان لياكل، وهل خلق ليكافح ويناضل من اجل معدته وبطنه واشباع ابسط حقوقه الطبيعية الغرائزية ؟ الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في مقابلة صحفية شهيرة مع الجاردن البريطانية، قال لن نتحول الى دولة ديمقراطية ولن يذهب المصريون احرار الى صناديق الاقتراع ما دمت الدولة عاجزة عن توفير الفول والطعمية ورغيف العيش لكل مصري .
وقد اتي يوم يفكر به الاردني برغيف الخبز الحاف ..ومن حوله تتفجر الاحلام والامال حول الديمقراطية .. فما هي الاولوية الوطنية والانسانية الحقيقة رغيف الخبز الحافي ام الديمقراطية الانتخابية لتكون نقطة البداية ؟