د.حسام العتوم
وسط دول العالم لم تكن الفيدرالية الروسية هي الأولى التي أصيبت بجائحة كورونا الخبيثة Pandemic Covid 19، وراقبت حركة ظهوره في الصين وانتشاره السريع في أوروبا وأمريكا، وخطت خطوة حكيمة بتقديم المساعدات الطبية لكل من إيطاليا وأمريكا رغم استمرار الحرب الباردة من قبل الغرب الأمريكي، والناتو ضدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العظمى عام 1945 ، ورغم العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا من وسط الحرب ذاتها ومن دون مبرر مقنع، ورغم التحرشات العسكرية الغربية بواسطة الأقتراب من الحدود الروسية .وهي أي روسيا تمارس رفضها للحرب الباردة علناً ورسمياً وترفض الأستفزاز من زاوية القوة لا الضعف، والمؤشرات تتحدث على أن روسيا وحدها تعادل في قوتها العسكرية دول الناتو مجتمعة بقيادة أمريكا وعلى المستوى النووي أيضاً ولا أقصد المستوى التجاري العسكري الذي يميل لصالح أمريكا. وفارق الأرقام في ميزانية الدفاع بينهما الذي يميل لصالح أمريكا والناتو أيضاً ( 21 مليار ميزانية دفاع روسيا . و 24 مليار حالية لتجهيز الجيش الروسي مقابل 738 مليار دولار ميزانية دفاع أمريكا .
وميزانية الناتو مجتمعة ستصل عام 2024 إلى 400 مليار دولار لا يعني لروسيا الكثير ما عدا الاستمرار في تطوير قدراتها العسكرية على كافة الصعد وبما ملكت من وفر مالي . ولديها أي روسيا مساحة جغرافية واسعة ” أكثر من 17 مليون كلم2 يصعب تطويقها بالبوارج النووية المنتشرة حاليا والتي تتبع الغرب الأمريكي ” الناتو ” .
وروسيا للمرة الثالثة وربما أكثر في وقتنا المعاصر تمارس الذكاء السياسي مع أمريكا تحديداً عندما أستقطبتها أول مرة لتفكيك سلاح الدولة السورية الكيماوي الخطير، وفي المرة الثانية عندما تعاونت مع أمريكا لتثبيت مناطق خفض التصعيد جنوب سوريا وفي شمالها، وفي الثالثة وسط أزمة كورونا وهو الذي تعاملت معه أمريكا من زاوية الند للند عندما قابلت المساعدة الطبية بمثلها مع تصاعد أرقام كورونا في روسيا إلى أكثر من 200 الف اصابة . ومقارنة مع أمريكا واسبانيا وإيطاليا وفرنسا ومع الصين ما زالت روسيا تتعامل مع كورنا تحت السيطرة ولم تبلغ الذروة .
وروسيا ليست أول مرة تواجه أزمات مثل كورونا، فلقد سبق لمنطقتها أن واجهت الملاريا في القرون الوسطى في زمن الفيلسوف ” ابن سينا ” في القرون الوسطى . وفي ثلاثينات القرن الماضي وقفت والسوفييت وجها لوجه أمام مجاعة واحدة . وتصدرت الاتحاد السوفييتي في مواجهة نازية اودولف هتلر بين عامي 1939 و 1945 وسط اتون الحرب الوطنية الثانية ” العظمى”. ورفضت الحرب الباردة التي فرضها عليها الغرب بقيادة أمريكا منذ نهاية الحرب الثانية ذاتها . وواجهت وما زالت تواجه الفوبيا الروسية Russophobia بقوة إعلامها، وعبر التزامها بالقانون الدولي، وأوراق الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ، ومحكمة لاهاي الدولية .
وفي كل الأزمات والحروب كانت روسيا تنتصر، والآن هي عازمة على الانتصار على جائحة كورونا بالتعاون مع دول العالم . وأعلنت عن اكتشاف علاج لفيروس كورونا مبكر حسب تصريح لوكالة الفيدرالية الروسية للطب والبيولوجيا أطلق عليه اسم ” مفلوكين” وهو مضاد للملاريا . وقدمت الدولة الروسية مساعدة مالية عاجلة لحوالي 20 مليون طفل روسي تراوحت أعمارهم من 3 سنوات إلى 15 سنة ، أعلن عنها الرئيس بوتين بنفسه وتناقلتها وسائل الإعلام المختلفة ومنها الدولية.
وفي المقابل ومن زاوية تناول الحدث بموضوعية وأتزان فأن رسائلاً وصلتنا من الداخل الروسي من مختلف المدن، ومن أهمها، توصف الوضع بغير المطمئن، وتتساءل عن سبب الطلب من الروس الالتزام في بيوتهم عندما كانت عدد الإصابات قليلة وتعد بالمئات، بينما طلب منهم العودة إلى اعمالهم عندما ارتفعت إصابات كورونا إلى عدة آلاف . ورسائل غيرها وصلتنا من المناطق الروسية المحاذية لليابان قلقة على الوضع الصحي للروس هناك حالة وصول عدوى كورونا إليهم.
وملاحظتي هنا هي بأن الدولة الروسية اتخذت إجراءات وقائية ونفذت حظراً عاماً في روسيا، وأظهرت مستوى طبياً متقدماً، وفتحت معسكرات طبية في مناطق مختلفة ونائية بهدف إحتواء الأزمة وتطويقها. و قابل هذه المعادلة بداية عدم تفهم ناس روسيا هناك لخطورة كورونا، ومواصلتهم الاختلاط وعدم التباعد ، والعزوف عن إرتداء الكمامات وواقيات الأيدي، الأمر الذي تسبب في سرعة انتشاره وقفز أرقامه إلى ما يقارب الذروة . ولم تعمل الحكومة الروسية على إغلاق محطات الميترو ” أنفاق المشاة ” حتى الساعة مثلما عملت على إغلاق المدارس والجامعات خاصة في المدن المزدحمة بالسكان مثل العاصمة موسكو، وسانت بيتر بورغ اللتين سجلتا أرقاماً قياسية وسط إصابات كورونا، ولقد أكد ذلك رئيس بلدية موسكو سيرجي سيبيانين، وهو الذي كشف لوكالة تاس الروسية بأن رقم إصابات كورونا في روسيا تتجاوز الرقم الرسمي وتصل إلى حوالي 300 الف حالة مرضية . وتخوف روسي وعالمي شعبي من أن يكون فيروس كورونا الذي يستهدف الإنسان وجهازه التنفسي ومختلف الأعمار ، ومنهم المرضى وكبار السن بيولوجيا غير طبيعي أي صناعي عالمي غير معروف مصدره .
والمفاجيء في روسيا هو اتساع انتشار فيروس وجائحة كورونا لتنتقل من الشارع إلى وسط الحكومة الروسية وتصيب رئيس الحكومة الجديد نفسه ميخائيل ميسوشتين وأثنين من وزارئه، وترفع السقف لتصل إلى مدير المكتب الصحفي للرئيس بوتين دميتري بيسكوف وسط الكرملين، وزوجته تتيانا نافكا حسب وكالة تاس و قناة RT . وعزل للرئيس فلاديمير بوتين طبياً عن مرافقيه وأعوانه عزلاً صارماً. ولاحظت في المقابل وفي مناسبة عيد النصر على النازية الألمانية الذي أقيم في الساحة الحمراء في موسكو العاصمة إلى جوار قصر الكرملين الرئاسي حضور الرئيس بوتين لوحده للعرض العسكري الجوي المختصر إلى جانب ثلة محدودة من عسكر وضباط المناسبة مع الالتزام بنظام التباعد وسط جو شتوي غائم .
ويقابل هذه الصورة أعلاه يتحدث الإعلام الروسي عن حرب باردة تكنولوجية بين أمريكا والصين قد تصل لدرجة القطيعة السياسية في الأفق القادم من الزمن، واتهامات متبادلة بينهما بعد التشكيك بمصدر فيروس كورونا إذا ما كان بيولوجياً طبيعيا أو صناعياً ؟ أو أن مصدره المقصود الصين . وسياسة أمريكا الخارجية مع الصين وإيران وقبلها مع روسيا تركز على تطبيق العقوبات الاقتصادية.
وبطبيعة الحال؛ فإن أخطر ما في كورونا أن يكون مصنعاً -لاسمح الله – ، عندها ستختلف الحسابات الدولية وسوف يتغير فعلا مجرى التاريخ بعد كورونا و حتى إن بقي مستمراً. وسوف تنقلب معادلة السلم والسلام الدولي إلى حروب لا يحمد عقباها وأولها الاقتصادية والتكنولوجية بكل تأكيد . وتفرض روسيا عقوبات مالية على من يستخدم مركبته في القيادة وهو بعمر أكثر من 65 عاما ، وتصل العقوبة وسط أزمة كورونا إلى ما يعادل 500 دولار في حدها الاقصى و إلى ما يعادل 200 دولار في حدها الأدنى مع منع قيادة المركبة . و عقوبة تقارب الـ 100 دولار لمن لا يستخدم كمامة الوجه.وبطبيعة الحال جميع العقوبات المالية يتم التعامل معها روسيا بعملتهم الوطنية الروبل . وتسجيلات روسية ساخرة تنتشر وسط روسيا وعلى الفضاء الخارجي ناقدة لتعامل الدولة الروسية مع أزمة كورونا، وهي التي تشدد الإجراءات على المواطنين وتستخدم معهم سياسة فهمها الروس على أنها متناقضة، عندما يطلب منهم الالتزام بالبيوت وقت أن كان فيه تعداد الإصابات قليل ويطلب منهم الخروج إلى العمل عندما ارتفع العدد إلى آلاف عديدة متراكمة . والحق هنا يجب أن يقال بأن إجراءات الدولة الروسية صارمة وحاسمة وملاحظة ، لكن سعة الجغرافيا الروسية التي تشكل ثلث العالم ، وتعداد السكان الذي يقارب الـ 150 مليون نسمة ورغم أن هذا الرقم لا يقارن بتعداد سكان الصين إلا ان هذين السببين جعلا موضوع السيطرة على سرعة انتشار فيروس كورونا صعبا وليس سهلا . وإليكم التفاصيل .
حسب الأرقام الحديثة التي بثتها قناة روسيا اليوم RT الناطقة بالعربية والتي تبث نشراتها من العاصمة الروسية موسكو، فإن إصابات كورونا ليوم الخميس 14 أيار فقط بلغت 11231 إصابة، وتم تسجيل 88 وفاة . وأورد مركز العمليات الحكومي الروسي لمكافحة فيروس كورونا بأن عدد إصابات روسيا وصلت إلى 17760 حالة ، والوفيات 1625 حالة . وبأن 48% من المصابين الجدد لم تظهر لديهم أعراض كورونا . وبلغ عدد المتعافين 23804 إنسان روسي والعدد بأزدياد . وأكبر حجم للإصابات بلغ في موسكو العاصمة برقم وصل إلى 92676 ، و الوفيات905 . وفي مدينة سانت بيتر بورغ تم الغاء المنتدى الاقتصادي الدولي الذي كان مقرراً انعقاده في حزيران المقبل بسبب جائحة كورونا . وتصريح لمحافظ المدينة ثاني أكبر مدن روسيا من حيث عدد السكان فلقد تجاوز معدل الإصابات المستوى المتوسط بخمس مرات. وأخر الأرقام في سانت بيتر بورغ وحدها بلغت 8050 حالة لكورونا، شفي منهم 17804 حالات، وتوفي 58 حالة ” 12 أيار 2020″ . وروسيا بالعموم تحتل المرتبة السادسة عالمياً وسط التضرر من فيروس كورونا ، والأدنى في حالات الوفيات .