راتب عبابنة
أما آن الأوان لتطوير الخطاب السياسي؟؟
بقلم راتب عبابنه
أعجب من بعض المسؤولين الذين يتخذون من عقلية القطيع أسلوبا عند مخاطبة الجمهور الأردني وكأن الأردنيين بلا عقول ولا يدركون ما يدور حولهم.
أحدهم يحمل مسؤولية ضعف الزخم الإنتخابي للموطن. وآخر ينفي وجود فساد منظم في الدولة ويقر بالفساد الفردي. وآخر يؤكد تحقيق المساواة. وآخر خطابه يوحي بأن النهج السياسي لا يختلف عن مثيله في فنلندا.
الخطاب السياسي ما زال يتسم بالتضليل القائم على إخفاء الحقائق التي يعيها ويدركها المواطن البسيط. خطاب قائم على عقلية الخمسينيات عندما كان عالمنا يعج بالأحزاب التقدمية المناوئة للنظام العربي وتعتبره غير شرعي.
عندها كان من يدرك ماهية هذا الخطاب هم المنظمون حزبيا والمثقفون محدودو العدد. لكن الدولة استمرأت النهج نفسه ولم تحاول تعديله ليتناسب مع التطور المعرفي لدى الأفراد جراء التعلم والإنفتاح العالمي في ظل وسائل التواصل والإتصالات وتعدد مصادر المعرفة وسهولة الوصول للمعلومة.
ذلك يعني أن الخطاب الرسمي ما زال متأخرا عن مواكبة واستيعاب ما يطرأ من تفاعل وتغذية من قبل الفرد الذي يتلقى المعلومة دون عناء ويكتشف الحقائق ويقارنها بالخطاب المحلي ليكتشف أن الدولة تمارس ما يسمى بعلم الإجتماع عملية التنشئة الإجتماعية( Socialization Process) وهي عملية قائمة على التكرار المؤدي لعملية ما يسمى غسل الدماغ أي تفريغ الدماغ من مخزونه المكتسب بالتجربة المسموعة والمرئية واستبدالها وإحلال ما يرغب به المنشئ وحشوه بدماغ وذهنية الفرد لضمان نجاح وتحقيق ما يرمي إليه.
وتلك نظرية ربما نجحت مع الأنظمة الشمولية وبزمن غير زمننا عندما كان القمع والكبت والإستبداد هي الأدوات التنفيذية المصاحبة لعملية التنشئة الإجتماعية. عندها يرى الفرد ما تراه الدولة فقط باستثناء القلة من المتنورين.
دور العقل معطل والدولة هي من يقوم بالتفكير وهي التي تقرر نمط حياته وملبسه ومسكنه. عندها يكون الفرد مسيرا بالكامل لا يملك قراره.
عندئذ الدولة تسوس الفرد والبهيم بنفس الأسلوب إذ جعلت من الفرد مخلوق لا يختلف عن البهيم سوى بالشكل طالما الفرق الجوهري وهو العقل قد تم تعطيله.
أما اليوم والعالم أصبح منفتحا على بعضه ووسائل المعرفة ومصادر المعلومات متوفرة للجميع ومن الصعب حجبها وإخفاؤها، تكون أساليب التضليل والخداع والدهلزة القائمة على نمطية التنشئة الإجتماعية قد فشلت وسقطت بسبب الوعي المتراكم والتنوير المستدام.
لذا، من الضرورة العاجلة والملحة أن يعاد التفكير بالخطاب المحلي لردم الهوة التي خلفتها عملية التنشئة الإجتماعية وليرتقي الخطاب السياسي ويتوافق ويقترب من الوعي المكتسب بالتقادم لدى الفرد العربي بالخصوص وذلك لخلق الإنسجام بين الطرفين مما يساعد على الإستجابة والتفاعل الإيجابي الذي بدوره يسهم في تعزيز الإستقرار المجتمعي الذي أعتقد أن جميع الدول المتقدم منها والنامي ممثلة بالأنظمة والحكومات حريصة على تحقيقه وترسيخه.
من الخطأ الجسيم أن يدار الشأن العام بأدوات مهترئة وصدئة تتطلب وقتا وجهدا، بينما هناك وسائل حديثة تختصر الوقت وتوفر الجهد. وهو الشيء الذي ينسجم مع خطاب التمني بمواكبة العالم ومستجداته.
لقد بات مطلبا شعبيا ينم عن الوعي ضرورة انسجام وتناغم الخطاب السياسي مع المزاج الشعبي العام وهو ما يستعيد الثقة للمواطن بنهج الدولة ليتم البناء عليه ويتم إصلاح مواطن الخلل ويصبح المواطن عونا طوعيا للدولة وليس قسريا كما هو الحال الآن. هذا إن توفرت الإرادة والنية الصادقة للعمل على التحسين والتطوير لتفادي المفاجآت غير السارة.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن
والله من وراء القصد.