د.حسام العتوم
يتظاهر الغرب الأمريكي بأنه يستغرب الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت بتاريخ 24 شباط 2022 ، وهي التي أطلق عليها الروس – حملة السلام ، و العملية العسكرية الخاصة ، و أعلنوا بأنها ستكون نظيفة لا تستهدف المدنيين الأوكران أشقاء الروس في اطار العائلة السلافية الواحدة ، و بحكم الجوار ، و التاريخ المشترك الواحد، خاصة ما تعلق بمجاعة ثلاثينيات و أربعينيات القرن الماضي ، و ماله علاقة بالنصر السوفيتي المشترك الكاسح على النازية الألمانية عام 1945 ، و رفع العلم السوفيتي فوق مبنى ( الرايخ – البرلمان ) ،و دفع فاتورة من الشهداء وصلت الى 27 مليون شهيد ، في زمن اشتركت فيه أمريكا في الحرب ذاتها في ربع الساعة الأخيرة ، و قدمت كبريات شركاتها مثل ” فورد ” خدمة كبيرة لنظام أودولف هتلر في مجال سيارات الشاحنات ، و حققت رقما قياسيا في الاستثمارالحربي قوامه حوالي 800 مليون دولار .
وكما أن لروسيا الاتحادية حساباتها وسط حربها الوقائية و الدفاعية هذه ، و التي لم تكن تريد لها أن تطول ، وبعد اكتشاف استخبارتها مبكرا على لسان مديرها سيرجي ناريشكين وجود مخطط أوكراني – أمريكي – غربي لانتاج قنبلة نووية بالقرب من حدود روسيا الجنوبية وعلى مسافة قريبة من موسكو العاصمة، و تجهيز 30 مركزا بيولوجيا أمريكيا و بالتعاون مع الموساد الأسرائيلي لأنتاج فايروس كورونا البيولوجي و غيره ، و بدعم مباشر من ابن الرئيس الأمريكي بايدن( هانتر) ، و التجهز للانقضاض على اقليم ( القرم ) الروسي ، الذي حصل على 95% من أصوات الأقليم ، حيث تعيش ما نسبته 58% من سكانه روس ،مقابل 24% أوكران ،و 12% تتار و غيرهم ، و يمتلك أسطولا حربيا نوويا روسيا عملاقا ، والاستعداد لضم إقليمي ( الدونباس و لوغانسك ) بقوة السلاح ، و بعدما طفح الكيل بالتطاول على شرق أوكرانيا حيث يعيش الروس و الناطقين بالروسية و الموالين لروسيا و بحجم أربعة ملايين نسمة ، و التسبب في مقتل 14 الفا منهم ، من بينهم حوالي 500 طفل ، على مدى ثماني سنوات منذ إنقلاب عام 2014 الدموي الذي دبر بليل بالتشارك بين النخبة السياسية لغرب أوكرانيا في العاصمة ” كييف ” المحسوبة على التيار البنديري العنصري المتطرف ، القادمة جذوره من أتون الجناح النازي الهتلري في الحرب العالمية الثانية 1939 1945 ، و بين الولايات المتحدة الأمريكية و جهات غربية لوجستية متعددة ، و هو ما لا يرغب الغرب مجتمعا سماعه ، أعلنت موسكو – بوتين عن تشارو قادتها للإستجابة لنداء إقليمي ( الدونباس و لوغانسك ) بالأعتراف بهما روسيا مستقلين في إطار الدولة الأوكرانية – بصفة الحكم الذاتي ، و هو الذي حصل لاحقا و فعلا ، و تم التوقيع في قصر( الكرملين ) الرئاسي في موسكو على معاهدة تعاون و دفاع مشترك بعد الإرتكاز على المادة 51 7 من مواد الأمم المتحدة التي تخول الدولة العضو فيها و التي تتعرض للإعتداء الخارجي الدفاع عن نفسها ، فكانت معركة المصير التي لم تستهدف دخول أو إحتلال العاصمة ” كييف ” كما أشاع الغرب و( البنتاغون ) ، و لا إحتلال أوكرانيا ، و لا التطاول على شعب أوكرانيا الشقيق لهم ، لكن حجم الدعاية الغربية الرمادية و السوداء بقيادة أمريكا و بريطانيا جاءت كبيرة مستهدفة الدولة الروسية العظمى من زاوية إستمرار الحرب الباردة و سباق التسلح ، و نشر الفوبيا الروسية المغرضة ، و ليس حزنا على شعب غرب أوكرانيا ، و لو كان الأمر كذلك لحزن الغرب الأمريكي على شعب شرق أوكرانيا أيضا ،و لتعاطف مع الشعب الفلسطيني المناضل ، ومع قضيته الفلسطينية العادلة التي لم تجد حلا ناجعا منذ عامي 48 و 67 ، و لا زال مشروع الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين ، و كل ما يتعلق بتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية ، و حق العودة أولا ثم التعويض أمام سراب متعمد . و لواصل الغرب حزنه على مجزرة أمريكا في (هيروشيما و ناكازاكي) اليابانيتين بعد قصفهما بأول قنبلتين نوويتين تصنعهما أمريكا نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، و التسبب في مقتل أكثر من 250 الفا من اليابانيين و تشويه غيرهم خلقيا . و لواصل الغرب حزنه على قتلى حرب أمريكا في فيتنام ، و على قتلى يوغسلافيا على يد حلف ( الناتو ) ، و على قتلى العراق و اعدام الشهيد صدام حسين على يد حلف ( الناتو ) الأمريكي و إيران ، و اعدام معمر القذافي بعد تدخل حلف ( الناتو )، و علي عبد الله صالح كذلك ، و على دخول أمريكا لسوريا من دون دعوة ، و خلطها لأوراق الأرهاب هناك، و على التحرش الأمريكي بكوريا الشمالية بسبب تجاربها النووية المحتاجة وقتها للحوار الذي سيطرت على مخارجه موسكو – لافروف سلميا و بنجاح ملاحظ .
وبطريقة مختلفة أظهرت أمريكا – بايدن التي تقود ومعها بريطانيا – جونسون ، خطاب الكراهية بوجه روسيا الاتحادية و ضدها ، و زجو معهما الغرب لخوض حرب مشتركة وسط أوكرانيا عبر توزيدها بالسلاح و المال الوفير تقدمته أمريكا بحجم 6 مليارات دولار و بريطانيا بحجم 300 مليون دولار ، كل ذلك ليس من أجل عيون الرئيس الأوكراني – الفنان الكوميدي – كاتب مسرحية الحرب الأوكرانية (2022 ) ضد بلده بالتعاون مع الجناح البنديري و فصائل ” أزوف ” المتطرفة و العنصرية لدرجة النازية ، والمتعاون بسذاجة مع الغرب الأمريكي نفسه ، و بهدف إستنزاف روسيا ، و شيطنتها ، و تشويه سمعتها ، و لكي تستمر الحرب البادرة ، ومعها سباق التسلح بهدف الضغط على الشارع الروسي لكي ينتفض على نظامه السياسي و على رئيسه المنتخب فلاديمير بوتين، ومطالبة الكونغرس التخلص منه سابقا شاهد عيان ، و كلنا أصبحنا نعرف حجم البغيضة التي يكنها الرئيس الأمريكي – جو بايدن لبوتين و يشترك معه بنفس الشعور رئيس وزار بريطانيا -بوريس جونسون ، بينما هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، و كذلك مستشار المانيا الحالي أولاف شولتز و السابقة أنجيليكا ميركيل لا يشبهانهم مطلقا ، و يؤمنان بالحوار مع موسكو و حققوا نجاحات ملاحظة .
و إصرار أمريكا و بريطانيا على أن تبقى الحرب الاوكرانية التي طالت لحوالي الشهرين مستمرة ، مما يعني بأن حربهم منذ البداية هي بالوكالة مع روسيا عبر ( كييف ) ، و لدرجة وصلت فيها أمريكا للبحث وسط المنظومة الاشتراكية السابقة عن دبابات سوفيتية الصنع لنقلها الى غرب أوكرانيا لعدم مقدرة الجيش الأوكراني على إستخدام دبابات الغرب ، و حركت أمريكا دول العالم لمشاركتها في عقوباتها الاقتصادية و الدبلومسية و السياسية ضد روسيا ، و هو الأمر الذي تطلب من موسكو التعامل مع الدول غير الصديقة بالعملة الوطنية ” الروبل ” مقابل شراء مصادرها الطبيعية و في مقدمتها الغاز و البترول .
الحرب على أوكرانيا – أي العملية العسكرية تحمل هدفا و طنيا و قوميا روسيا محددا قوامه تنظيف الجوار الأوكراني من حالة العداء غير المبررة لروسيا ، و ضبط سلوكها تجاه حلف ( الناتو ) المعادي لروسيا ، و لمنع تطاول غرب أوكرانيا على الشرق الأوكراني ، و على القرم ، وفي نهاية المطاف ، فإن الحرب سوف تتوقف عندما ينتهي التفاوض الى حلول ناجعة عادلة تعترف بحقوق روسيا الأتحادية ، و تحقق السيادة لأوكرانيا على أرضها عبر الحوار المعقول فقط .
و قضية ( بوجا ) قرب العاصمة ( كييف) تم تضخيمها اعلاميا و دعائيا من طرف الغرب ، و جيشت أمريكا دول العالم مبكرا و بشكل مبرمج و عبر إتصالاتها للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس المنصرم على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان ، وهو الذي حصل بعد تصويت (93 ) دولة مع قرار التعليق غير المقنع و غير المبرر ، و دعوة الأتحاد الأوروبي الى داخلها، بهدف تصوير روسيا أمام الرأي العالمي بأنها دولة عظمى عدوانية ، و مماسة للإبادة الجماعية ، و هو ما نفته موسكو جملة و تفصيلا على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف ، و هو ما أكده مدير المكتب الصحفي للكرملين دميتري بيسكوف أيضا، و الأستماع لصوت موسكو أمر هام و مطلوب ، وروسيا دولة حضارية و الأكثر تمسكا بالقانون الدولي ، و قضايا مثل الفلسطينية و كوريا الشمالية و سوريا و قضية سلاح جيشها الكيميائي الذي ساعدت بقوة على تفكيكه عام 2013 و تسليمه لأمريكا أمثلة حية يجب التوقف عندها .
و من الجدير ذكره هنا هو بأن فروقات معاملة الأسير الأوكراني من طرف الجيش الروسي و حسب عقيدته العسكرية و السياسية ، و هي الحسنة ، تختلف عن معاملة الأسيرالروسي لدى الجيش الأوكراني ، و خاصة لدى فصائل ” أزوف ” المتطرفة ، و هي السلبية . ومن المهم معرفته هنا هو بأن الحرب الأوكرانية التي يجري رحاها الان و تقترب من التوقف ، ربما ستعاود الكرة مرة أخرى مستقبلا اذا ما عاودت ( كييف ) ممارسة العداء و التطاول على شرق أوكرانيا و على روسيا من جديد ، و العبرة لمن يعتبر بكل تأكيد .
ورسالة من مؤسسة طبية روسية تؤكد سوء معاملة الأسير الروسي ، و صحيفة روسية في مدينة (روسوش) تدعو المواطنين الروس لتجهيز مخازنهم التموينية تحت الأض داخل منازلهم و مزارعهم القريبة من الحدود الأوكرانية لإحتمال القصف الصاروخي الأوكراني خاصة العشوائي منه .وحديث غربي عن ارسال روسيا لمجندين تجاوزت أعمارهم الستين عاما للمحافظة على صغار الشباب منهم . و المعركة في منطقة ( ماريوبل ) القريبة من الدونباس أصبحت تحت سيطرة الجيش الروسي و القوات الخاصة الشيشانية المحترفة . و حادثة محطة قطارات ( كراماتورسك )حسب موسكو مفتعلة و تهدف لإظهارها على أنها تستهدف المدنيين الأوكران بصواريخ غير متوفرة في روسيا ، و هي خدعة إعلامية من صنع الغرب و لكي يصدقها هو أولا قبل الرأي العام كما يفعل الرئيس الأمريكي بايدن . و العدالة الدولية تتطلب لجان تقصي حقائق و ليس توجيه اتهامات باطلة سرابية غير نافعة .
وفي نهاية المطاف لا توجد حرب اندلعت لم تنتهي الى سلام ، و الأهم أن تلتزم دول العالم خاصة الكبرى منها بقواعد الأمم المتحدة و مجلس الأمن ، و الخيار الممكن أمام روسيا أيضا لمواجهة الحملة الأعلامية و السياسية و الأقتصادية الغربية المسعورة هو توسيع شبكة تحالفاتها العالمية ومنها العسكرية خارج الأطار السوفيتي السابق لتشمل الصين و الهند و كوريا الشمالية و غيرهم من الدول الصديقة لروسيا ، و الاهتمام أكثر بالبنية التحتية للداخل الروسي ، وكل ماله علاقة بالأسعار التموينية ، و على مستوى المحروقات.