د. عبير الرحباني
لعل التربية الاعلامية لا ترتبط فقط بمفهوم المعلوماتية.. لأن المعلوماتية تعني استخدام الانترنت .. بل من الضروري ان ترتبط بالوسائل الرقمية كوننا اليوم لم نعد أمام التحول الرقمي بل نحن اليوم في عمق الثورة الرقمية التي حولت الوسائل التقليدية المطبوعة والمرئية والمسموعة الى وسائل الكترونية من ثم الى رقمية نقرأها ونسمعها ونشاهدها عبر الجهاز الصغير (الموبايل) الذي تحول الى أداة اعلامية متكاملة والى اداة من أدوات الانتاج الإعلامي.
ولا شك بأن التربية الإعلامية تأتي لمصلحة الفرد والمجتمع، بإعتبارها تمثل بالدرجة الأولى وجهات النظر الآخرى، أي وجهة نظر “المستقبل” أو “المتلقي” للخبر والمعلومة عبر وسائل الإعلام. ولا تمثل ملاكي الوسائل الإعلامية او صانعي الإعلام.
ولا بد للإشارة هنا، الى أن الإعلام الذي نقرأه ونسمعه ونشاهده ونكتشفه عن قرب هو إعلام متنوع وشامل، سواء أكان إعلاماً محلياً، أم إقليمياً، أم دولياً. ولا يخص قناة أو دولة بعينيها.
كما أن الإعلام الذي نتعرض له ونحتاج الى تفحصه وفهمه ليس بالضرورة ان يتحدث لغة واحدة، بل يتحدث جميع اللغات واللهجات.
فهناك الإعلام السلبي، وهناك الإعلام الايجابي، وهناك الإعلام الذي يكون تارة سلبياً وتارة ايجابياً. لذا من الضروري إعداد أجيالنا الحالية والمستقبلية من خلال الاهتمام بتنمية الافراد على الصعد كافة ليصلوا الى فهم البيئة الإعلامية العالمية والتعامل معها بذكاء وحكمة وبوعي عميق.. لأن صناعة الإعلام في العالم لم تأتي بطريقة عبثية، ولا بطريقة عشوائية، ولم تأتِ من فراغ. فكل محتوىً وكل رسالةٍ مخطط ومدروس لها أيضاً، في كيفية إستقطاب الجماهير والتأثير عليها، حيث لم تعد وسائل الإعلام وحدها هي التي تربطنا بأخبار العالم، بل أن ظهور الإعلام الجديد (الفيسبوك) اصبح الآداة المؤثرة في تلقي الأخبار ومعرفة ما يدور حول العالم.
وربما يتسأل الكثيرون لماذا الحاجة الى التربية الإعلامية !! وللإجابة على هذا السؤال وبصورة مختصرة:
اولاً: التطورات التكنولوجية – الرقمية التي طرأت على وسائل الاعلام والاتصال والتي ربما تجاوزت قدرة الانظمة العربية على احتوائها من آثار العولمة الاعلامية، حيث نجم عن هذا التطور اتساع دائرة النقد الاعلامي للانظمة والدعوة لمحاربة الفساد بكل اشكاله والدعوة للاصلاح. اما الثاني فقد جعل هناك صوتا لمن لا صوت له فاصبح المواطن إعلامي. الامر الذي أدى الى ضرورة الإسراع في إيجاد تربية إعلامية تساعد على كيفية اختيار وإنتقاء المعلومات والأخبار الصحيحة، والتمييز ما بين الخطأ والصواب عبر وسائل الإعلام وبخاصة الإعلام الجديد.
ثانياً: العولمة التي مهدت الطريق الى الإستعمار الإلكتروني والذي يعتبر إستعماراً فضائياً هدفه السيطرة على العقول والتأثير على الاتجاهات والرغبات والاعتقادات وانماط الحياة والاستهلاك..
ثالثاً: تحويل العالم من قرية كونية الى غرفة كونية بحسب ما أكدته نتائج دراساتي.
رابعاً: ظهور الاعلام الجديد المتمثل بالفيسبوك والهواتف الذكية ، فمن خلال الحرية المتاحة فيه ربما يسعى لمحاولة إبعاد المواطن العربي سواء اكان متلقياً ام مرسلاً للخبر والمعلومة عن حقيقة ( بانه يعيش استعماراً الكترونياً وانه قد تحول الى اداة من ادوات هذا الاستعمار الالكتروني.
خامساً: ظهور مصطلح (المواطن الصحافي) بات مالكاً لوسائله الخاصة لنشر ما يحلو له للتعبير بفضل الإعلام الجديد ..
سادساً: ظهور التقنيات المخادعة التي باتت تشكل خطراً كبيراً فيما ينشر من فيديوهات وصور ورسومات مزيفة أو تركيب صور أو مونتاج فيديوهات لا صحة لها. الامر الذي أدى الى خلط الحابل بالنابل.
سابعاً: الجهل في الاستخدام الرقمي.. ثامناً: الجرائم الالكترونية والتي تحولت بعضها الى جرائم على ارض الواقع .. عدا عن تفشي الشاعئات والفتن والتنمر وخطاب الكراهية وغيرها الكثير من الامور التي تدعو للحاجة الى وجود تربية وثقافة اعلامية رقمية في آن واحد.
ولا بد للاشارة هنا بان هناك قواسم مشتركة ما بين التربية والتعليم والإعلام، فالتربية جوهر العملية الاتصالية، والإعلام وظيفة من وظائف الإتصال الجماهيري، نتيجة الروابط المشتركة والمتبادلة ما بين الإعلام والتربية والتعليم، من حيث تغيير سلوك الافراد، وتفعيل عميلة التفاهم. فنجد أن جمهور التعليم متجانس من حيث المستوى الفكري والثقافي والتعليمي. بينما نجد أن جمهور الإعلام غير متجانس بشيء. الامر الذي يستدعي إدخال مادة التربية الإعلامية لدراستها والتعمق بها عن فهم، وليس عن حفظ.