د.حسام العتوم
أوكرانيا بداية -وحتى لا نذهب بعيدا- صديقة للعرب، وحجم صادراتها للعرب وصلت إلى 4 مليار دولار حسب مصدر مسؤول في وزارة الزراعة الأوكرانية عام 2016، ومع مصر 894,2 مليون دولار ومع الأردن 196 مليون دولار عام 2021، ولنا هنا في الأردن، وللجوار الشقيق الفلسطيني عبر (السلطة) المخولة بتصدر النضال السياسي من أجل إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، تكون القدس الشرقية صاحبة التاريخ الكنعاني العريق، عاصمة لها وفقاً للشرعية الدولية التي تنادي إسرائيل بالعودة لحدود الرابع من حزيران لعام 1967، وتجميد الإستيطان، والحصول على حق العودة والتعويض.
والمكون الفلسطيني في الجوار يستند في نضاله الوطني والقومي على الجدار الأردني والعربي والإسلامي والمسيحي الصلب، والمعروف أيضاً، بأن جلالة الملك عبدالله الثاني “حفظه الله”، يجوب المجتمع الدولي دفاعاً عن عدالة القضية الفلسطينية، وفي المحافل المحلية والإقليمية والدولية كافة، والأردن أولاً وأخيراً، معني بمخرجات الحلول الفلسطينية لقضيتهم الأخيرة خاصة ما يتعلق بالقدس والوصاية الهاشمية عليها، وعلى مستوى اللاجئين. والتاريخ شاهد عيان على حروبنا المشتركة الباسلة نحن الأردنيين وإخوتنا الفلسطينيين والعرب مع إسرائيل في الأعوام (1948 و 1956 و 1967 و 1968 و1973) نصرة للقضية الفلسطينية العالقة، في عمق الزمن المعاصر من دون حل جذري شامل مقنع، ولقضايا العرب الاحتلالية الأخرى في الجولان (الهضبة العربية السورية)، ومزارع و تلال شبعا اللبنانية. ومن بين تلك الحروب ما خططت اسرائيل لها (48 و 56 و 68)، وغيرها التي خطط العرب لها 67 و 73) بقيادة جمال عبد الناصر وحافظ الأسد. وتمكنا نحن في الأردن بهمة و عزم قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي، وبمشاركة وقتها من أهل فلسطين ومقاومتهم، من تحقيق نصر أكيد في معركة (الكرامة) الباسلة، تكرر لاحقاً في حرب تشرين عام 73، و بمشاركة ملاحظة لجيشنا الأردني العربي، انتهت بتحرير جزء كبير من مدينة القنيطرة الجولانية.
ولقد تضاربت الأنباء حول شروع أوكرانيا بالاعتراف بالقدس كاملة عاصمة لإسرائيل، وتناقلت وكالات الأنباء والمرئيات والمسموعات والمطبوعات العالمية الخبر الذي انتشر كما الشرارة في الأدغال، ومنها (معا و عربي 2 و سبوتنيك و 24 -1 و الجزيرة و عربي – بوست)، وتم الاعتماد على خبر جريدة (Times of Israel ) الإسرائيلية، التي أوردت في متن عملها الصحفي الهادف والمبرمج، بأن أوكرانيا يمكن أن تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أثناء زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي المرتقبة لتل – أبيب، وجاء تصريح الجريدة هذه مرتكزاً على قول لسفير أوكرانيا لدى إسرائيل (بفهني كورنيتشوك) الذي ألمح لاحتمالية اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل، و هو الذي أكد ذات الوقت ضرورة حل قضية القدس من خلال المفاوضات، وعلى أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان هذا قد كتبه على صفحته على الفيسبوك، أما حديثه عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فلقد جاء على هامش مناسبة مرور 30 عاماً على بناء العلاقات الأوكرانية – الإسرائيلية بتاريخ 16 ديسمبر 2021، بحضور وزير شؤون القدس الإسرائيلي (زئيف الكين)، وبطلب سابق من طرف وزير خارجية إسرائيل (يائير لبيد).
وقدم الجانب الإسرائيلي هدية تذكارية لسفير أوكرانيا لديها (كونيتشوك) عبارة عن تحفة أثرية عمرها ( 27 ) ألف عام تحمل كلمة القدس بالعبرية، و للدلالة حسب العصف الذهني الإسرائيلي بأن عراقة المدينة المقدسة تعود لأصول عبرية قديمة، وهو تضليل وهراء وخداع، والقدس تاريخها معروف، ويصعب على العقلية الصهيونية تزويره، وهي مدينة فضاؤها رحب، واتسع ولازال لكل الأديان السماوية الإبراهيمية السمحة (الإسلام والمسيحية واليهودية)، التي تعود جذورها لجد الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام. و للرواية الإسرائيلية في موضوع التحف الأثرية القديمة ذات الأصول العبرية المزورة، قصة حدثت عندنا في الأردن وسط رمال مدينة البتراء الوردية النبطية، عندما حاول السائحون الإسرائيليون زرعها هناك في (وادي بني حماد في الكرك و البتراء و طبقة فحل)، في زمن كانت فيه وزيرة السياحة الأردنية الشجاعة ( مها الخطيب ) تتابع بنفسها الشأن السياحي الأردني ميدانياً.
وأوكرانيا بالمناسبة، غير معنية كثيراً بصفقة القرن المشؤومة التي نسجتها الصهيونية عام 2017 بداية، و قصدت من خلالها وبمساعدة جهاز إسرائيل اللوجستي (الموساد) وأجهزة الغرب اللوجستية بقيادة جهاز الـ – CIA الأمريكي، و مؤسسات (الإيباك و البنتاغون والكونغرس)، السيطرة على الشرق الأوسط ومنه العربي و تمزيقه، وتقسيمه على طريقة (سايكس – بيكو ) 1916، ووعد بلفور 1917، و مشروع (فرّق تسد) البريطاني، وإحباط مشروع حل الدولتين عبر إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وفقا للشرعية الدولية التي اعترفت بحدود عام 1967 لصالح العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيين، ولم يتشابه قرارها مع قرار الأمم المتحدة عام 1947، والذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولة عبرية، ودولة عربية رفضها العرب، وشنت إسرائيل بعد ذلك حربا على العرب احتلت خلالها 80% من أرض فلسطين، وواصلت إسرائيل مشاريعها الإستيطانية اليهودية غير الشرعية والتوسعية والاحتلالية لفرض سيطرتها على كل فلسطين، ما عدا ( غزة ) التي تتحرش بها (كل ما دق الكوز الإسرائيلي بالجرة الفلسطينية)، وها هي تعمل ليل نهار، لترسيخ حل الدولة الواحدة العنصرية، ضاربة عرض الحائط بمصير شعب فلسطين المكلوم والجبار والمناضل، والمهجر في أقصاء الأرض. وتبقي على هضبة الجولان العربية، وعلى مزارع وتلال شبعا اللبنانية محتلة ورهينة بيدها للتفاوض على سلام مستقبلي يصب في مصلحة أمنها، رغم أن أمنها يكمن في السلام العادل مع العرب بعد العودة لحدود الرابع من حزيران، و ليس بامتلاك القنبلة النووية السرية، التي كشف عنها خبيرها (مردخاي فعنونو) لجريدة (سانداي تايمز) البريطانية عام 1986.
وما يهم أوكرانيا اليوم، والتي هي ذات الامتداد الديمغرافي اليهودي إلى وسط (إسرائيل)، هو البحث عن توسيع شبكة أمنها وتعاونها العسكري مع تل – أبيب، ومن زاوية احترازية، لمواجهة أي اجتياح تتوقعه من جانب روسيا الاتحادية (العظمى) رغم سرابية التوقع، وحصنت نفسها بالتحالف مع حلف (الناتو) الغربي – الأمريكي العسكري، وهو الذي ساهم بدفعها للتوجه لمحاولة الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وفي المقابل تقيم إسرائيل علاقة استراتيجية مع روسيا، وتنسق معها علاقتها مع (كييف) بكل تأكيد. وتقف روسيا علانية ضد صفقة القرن، وتساند حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وتدعو لتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية فوق أراضي العرب، و تنادي إلى جانب العرب، بدراسة حق العودة أولاً والتعويض ثانياً.
وأمن أوكرانيا -كما أعتقد- وقرارها السيادي بعد استقلالها عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، يكمن في توازن سياستها الخارجية مع روسيا والغرب الأمريكي من جهة، وعبر سياستها الداخلية بواسطة التمسك بالحوار وبتنفيذ اتفاقية (مينسك) مع الدونباس و لوغانسك شرقاً، ومن خلال العزوف عن حفر الخنادق بين غرب وشرق أوكرانيا. وللتيار البنديري الأوكراني المتطرف دوراً هاماً في التجديف بأوكرانيا صوب مساعدة اسرائيل للسيطرة على كامل القدس إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وغواتيمالا.
وللقدس مكانة مقدسة في ضمير العرب والمسلمين والمسيحيين، فهي ليست لليهود فقط، كما تريد اسرائيل المعاصرة لها أن تكون، مع عدم إغفالنا لأهمية العبادة اليهودية فيها، وهي المحطة الأخيرة للوصاية الهاشمية منذ أن حمل شعلتها ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي -طيب الله ثراه- عام 1924. ولا مكان فيها لصفقة القرن وبكامل ما تتضمن من علامات استفهام كبيرة، وهي التي واجهها جلالة الملك عبد الله الثاني بلاءات ثلاثة مشهورة وشاهدة على العصر ( لا للمس بالقدس، ولا للوطن البديل ولا للتوطين). وكشف لنا كتاب (القدس – أوارق المؤتمر الدولي 2009) الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، بأن اسم (القدس ) ورد في النصوص المصرية التاريخية المكتوبة والمؤرخة في القرن التاسع عشر ، و بأن القدس شكلت ضميرا حياً عند الهاشميين، وعبر أربعة إعمارات متتالية شملت عهود الملوك (طيب الله ثراهم) الحسين بن علي الذي دُفن في جنبات الأقصى، وعبدالله الأول المؤسس الذي استشهد على أبواب الأقصى، والحسين بن طلال الباني، وعبد الله الثاني المعزز للبناء أطال الله بعمره.
وهي كما ذكر في مقالته هنا الباحث الدكتور عبد الله العبادي، زهرة المدائن، وإليها تشد الرحال، ولأنها أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، و معراج الرسول الكريم محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلى، ولهذا كانت القدس ولا زالت، قرة عين الهاشميين و مأوى أفئدتهم.
وتحدث الباحث الدكتور محمد الصاحب أيضا عن رحلة الإسراء و المعراج، ولما لها من أهمية مست الصراع القائم حول القدس، وهي التي بدأت من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بيت المقدس. وحولها أوضح الباحث الدكتور سليمان النابلسي أيضاً، عندما كتب قائلاً: (أُقيم بناء قبة الصخرة المشرفة في بيت المقدس أولى القبلتبن في الإسلام بأمر من الخليفة عبد الملك بن مروان، الخليفة الخامس في الدولة الأموية، و تم الإنتهاء من البناء عام 72 هجري 691 ميلادي).
وفي كتاب (الحسين – ملك المملكة الأردنية الهاشمية – مهنتي كملك – أحاديث ملكية . ص 208) كتب مليكنا الراحل العظيم الحسين بن طلال – طيب الله ثراه- عن القدس قائلا : (إن هذه المدينة هي مدينتنا لأكثر من سبب. ومنذ ثمانية أعوام و المسلمون في العالم أجمع، ملوك و جنود و أغنياء و فقراء ينتظرون لكي يقيموا الصلاة من جديد في المسجد الأقصى الذي يمثل الشيء الكثير في أعيننا). وأخيراً، للسياسة الأوكرانية أن تتعافى ولأوكرانيا الإزدهار.