الاب رفعت بدر
بلغ حجم التضامن العالمي أوجه، بعد وصول الأخبار المحزنة عن وصول الأحقاد ومشاعر الكراهية والقتل إلى مرحلة متقدّمة، استخدم فيها «السفاح» أحدث التقنيات للبث المباشر، وبدم بارد أتى على حياة البشر الآمنين المؤمنين والمصلين في مسجد النور في مدينة «Christ Church» النيوزلندية.
دعونا نعود اقل من شهرين إلى الوراء، حيث جلس البابا فرنسيس على طاولة واحدة مع شيخ الأزهر، ووقعا وثيقة شكلت بوابة لرحلة جديدة متقدّمة على درب التعاون الإسلامي المسيحي، وحملت عنوانًا رائدًا هو «وثيقة الأخوّة الانسانية».
اذكرها اليوم لانها حذرت من أي اعتداء على البشر لأن كرامتهم الانسانية مقدسة. وكذلك على الحجر أو بيوت العبادة فقالت: «إن حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجبٌ تكفله كلّ الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدوليّة، وكلّ محاولةٍ للتعرّض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروجٌ صريحٌ عن تعاليم الأديان، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانين الدوليّة».
واليوم يجد العالم نفسه أمام حسرات لا تنتهي، وأمام طوفان الدموع والدماء والغضب و«القرف» من وحشية الإنسان المتجددة والتي تطور نفسها مع الأسف مع التطور التقني، حتى بتنا نقول إننا «قد تقدمنا تقنيًا نعم، وتراجعنا أخلاقيًا وثقافيًا وإنسانيًا وأدبيًا ومهنيًا». وفي وقت الانفراج الدولي تبعًا لانتهاء تنظيمات أطلقت على نفسها أسماء تلامس الدين وتتحدث باسمه، وتنسب العنف إليه، نجد أنفسنا مجدّدا أمام دوّامة جديدة من الهمجية المخطط لها وتتخذ من إراقة الدماء بدم بارد تصفية لكراهية عنصرية وعرقية يمينية وحشية.
نطل في هذه الأيام على الذكرى السنوية الخامسة عشرة لإطلاق رسالة عمّان 2004، برعاية من جلالة الملك عبدالله الثاني الحائز على جائزة تمبلتون لحوار الأديان نهاية السنة الماضية، ومصباح السلام العالمي في أسيزي مع بداية الشهر الحالي، وقد قام الأردن بفضل جلالته بتصدير رسائل عدة للعالم، هدفت إلى إبلاغ العالم الرسالة الحقيقية للدين، وتوافقت مع دعوات الفاتيكان وغيره من المؤسسات الدينية العليا، لكي تشكل السد المنيع لكلّ من يحاول المساس بجوهر الدين وبكرامة الانسان بالعنف والوحشية. ولكننا اليوم أمام سموم العنصرية واليمين المتطرف، النابع من تعاليم وتنشئة وتوجيهات تُغرس في نفوس وعقول وقلوب الأطفال، فتخلق «عقلية» الكراهية فينشأون عليها ويمارسون أفعالها مستخدمين أحدث الوسائل.
وعلينا، مسلمين ومسيحيين في العالم، وهم يشكلون 57%، ومع كل أصحاب النيات الحسنة من سكان الكرة الأرضية، أن نتضامن فكريًا وروحيًا وثقافيًا، فنؤّسس ونعزز عقليات الانفتاح والتقبل والاحترام ونبذ الإرهاب والتطرف، بدرجة صفر في التساهل أو Zero tolerance مع أيّ توجه عنيف. وهذا ما قالته كذلك وثيقة الأخوة الإنسانية: «يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال أو بالسلاح أو التخطيط أو التبرير، أو بتوفير الغطاء الإعلاميّ لها، واعتبار ذلك من الجرائم الدوليّة التي تُهدّد الأمن والسِلْم العالميّين، ويجب إدانة ذلك التطرّف بكّل أشكاله وصوره».
أيتها الإنسانية، كما تقول الاغنية: تعب المشوار… ولوين الدرب مودّينا؟ ولكن، أكملي السير نحو مستقبل أكثر إنسانية !