سعيد الصالحي
هذا المقال كئيب، فإن كان “اللي فيك مكفيك”، فلا تكمل القراءة، ولهذا اقتضى التنويه.
لم يأت الطير في موعده ككل صباح، وضعت الكرسي وقعدت على شرفتي، لأشم نفس الصبح بعد أن خفت الحرارة وانتقلت لتشوي الشوارع في بلد آخر، كانت تهب النسمات الصباحية ولم تحمل معها أي أخبار عن طيري الأسود، بدأت اتساءل فيما إذا قد أصابه مكروة أو ضربة شمس، أو ربما مات عطشا رغم ارتفاع منسوب السدود في حينا، وكذلك عدم انقطاع المياه عن شرفتي، فقد كنت أضع له كميات يومية من الماء وبشكل دوري منتظم تكفي للشرب والاستحمام أيضا، بدأت ترتفع الشمس في السماء وأخذت أبواق السيارات تصدح وتغرد في الشوارع ولم يظهر الطير.
لم أذهب اليوم إلى عملي أيضا، فقد اتصلت بالرئيس وقدمت عشرات الحجج التي تتيح لي الغياب لمدة أربعة أعوام، وقد كان الرئيس رحيما بي ووافق على إجازتي الطارئة وطلب مني العمل عن بعد إذا ما استدعت الحاجة، وأنا على الفور أقلعت نحو الكآبة وحدي وكان أول خطواتي أن وضعت هاتفي بحالة الطيران، فليس من المعقول أن يبقى الهاتف فعالا وصاحبه معطل، وعدت إلى شرفتي لعل الطائر يأتي، فلم يأت الطائر ولم أخرج أنا كطائر الفنييق من كل الضغوطات التي تتربص بي.
حاولت النوم أو بالأحرى معاودة النوم، فالنوم بات سلاحنا السري للهروب من أي أمر، فعندما تتجمع فواتير الكهرباء أنام، وعندما تنفذ أسطوانة الغاز أنام، وعندما يواجهني أي أمر أنام، أنا لست جبانا لأهرب من واقعي وحياتي بالنوم، ولكنني بحثت عن الحلول في صحوي فلم أجدها، فبدأت في البحث عن حلول لمشاكلي أثناء نومي، لعل الأحلام تجد حلولا لأضغاث الحياة، فأنا كمواطن بسيط يجب ألا أتوقف عن البحث والحلم وانتظار الطائر في كل صباح.
تناولت الطعام، شربت القهوة والشاي، ودخنت كم دخنت لا أعلم، ومر النهار وجلست أقلب وأتنقل ما بين محطات التلفاز هنا خبر عن الموت والقتلى، وقبل قليل خبر عن غلاء السلع، ولكن ما أزعجني كمواطن بسيط كان النشرة الاقتصادية فقد تراجع سعر اليورو، وأنا لا أستطيع العيش إذا ما تراجع سعر اليورو! وتساءلت مرة أخرى من يستفيد من محتوى النشرة الاقتصادية ومن مؤشرات أسواق المال؟ لا أظن أنني قد احتجت لأي معلومة لمرة واحدة في حياتي من هذه النشرة، ولكنها أصبحت طقسا نستعد من خلاله فقط لاستقبال النشرة الرياضية.
مرت الساعات وكنت بحاجة لتشغيل سلاح النوم السري، فلم يسعفني ولم يعمل كعادته عند الحاجة إليه، فجلست أعد الأقساط وأجدول الالتزامات وأضع خططا وألغي خططا كنت قد وضعتها، كنت طوال الليل أتخبط، كنت أشعر أنني زجاجة غازية ستفور في أي لحظة، فقد هزتني الأيام حتى فقدت روحي ولم أفقد شكلي وأقساطي، فهذه الحياة تجيد هز وسط الآخرين دون أن تهز طولها أو بدنها.
كانت هذه مذكرات يوم إجازة طارئة عشتها معكم بكل التفاصيل، عشتها على أمل أن يأتي طائر أملي الأسود، هذا الطائر الذي على ما يبدو أن كآبتي قد نتفت جناحيه وربما أجهز عليه داء انتظار الأمل.