الدكتور عامر عبد الرؤوف السعايده
حتماً أنّ المستقبل سيكون نتيجة طبيعية للحاضر الذي نعيشه، لما يتضمنه من بواكير معرفية جديدة تضع الأسس لتحولات قادمة قد لا نتوقع حجمها أو آثارها كاملةً. إلا أنّ إدارة المستقبل التي يفهم بأنها فن استباق هذه التحولات، وحرفة تحويل الحاضر إلى نقطة انطلاق نحو الأفضل، عبر دراسة الاتجاهات التنموية المنتظرة واستغلال الفرص التي تلوح في الأفق والتي ستفتح مجالات جديدة من النشاط التجاري والاستثماري في المستقبل، أو الحاجة إلى تغيير جذري في منظمة الأعمال. في عالم اليوم، لم يعد التنبؤ بالمستقبل مجرد رفاهية فكرية، بل أصبح ضرورة حتمية في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. وتعد الاتجاهات التكنولوجية، والاجتماعية، والاقتصادية التي نشهدها اليوم هي الإشارات الأولى للتغييرات التي ستعيد تشكيل الحياة كما نعرفها. وإنّ إدارة المستقبل ستتيح للأردن فرصة تحويل هذه الاتجاهات إلى نقاط قوة تدفع عجلة الاقتصاد وتفتح أمامه أبواباً جديدة من الفرص. إنّ إدارة المستقبل بالنسبة للأردن وبناءً على قدرته على الرصد الدقيق للاتجاهات التنموية، ستتيح له فرصة استشراف الفرص التجارية والاستثمارية التي لم تكن موجودة من قبل واقتناصها، وهذا يتطلب منه الانتباه إلى القدرة على إدارة المعرفة وتدفق المعلومات بفعالية في مؤسساته في عصر البيانات والمعلومات الفائضة وهذه تعد قضية أساسية للمؤسسة الحديثة التي لا بد من تعظيمها بتطوير إمكانيتها وتحفيز العقول فيها، وهذا يؤكد لنا أنّ توفر المعلومات المحدثة وإدارة المعرفة بمهارة له تأثير مباشر على جودة عملية اتخاذ القرار وانعكاسها على الاستعداد للتحولات المستقبلية. لذا، فمع التطور السريع في التكنولوجيا والابتكار وظهور الذكاء الاصطناعي وذكاء الأعمال وتحليل البيانات والحوسبة السحابية، نجد أنه تظهر الآن صناعات جديدة في المقابل بدأت تختفي صناعات أخرى بشكل تدريجي وهذا ينعكس أيضاً على الوظائف. والمستفيد الأكبر من هذه التحولات هو من يمتلك القدرة على الاستعداد لها مسبقاً بالاستناد إلى المعرفة وإدارتها، وإنّ منظمات الأعمال التي تعتمد على الابتكار وتتبنى استراتيجيات استشرافية ستكون أكثر قدرة على التكيف مع المستقبل والمنافسة في الأسواق الناشئة وهو المطلوب توظيفه لدى القطاعات الاقتصادية والتعليمية في الأردن. ففي الأردن، قد تجد العديد من الشركات نفسها أمام حاجة ملحة لتحديث عملياتها والتكيف مع التحولات الاقتصادية الإقليمية والعالمية. فالابتكار الرقمي، على سبيل المثال، قد بدأ في تغيير شكل معظم القطاعات مثل الخدمات المصرفية، النقل، الإنتاج والتسويق والتبادل التجاري وصولاً لقطاع لتعليم. فالمؤسسات التي تبدي مرونة في التكيف مع هذه التحولات ستكون الأكثر قدرة على البقاء والازدهار وتوفير موارد بشرية مواكبة لذلك. فإدارة المستقبل هي ريادة وتميز جديدين، فمن خلال الاستثمار الحقيقي في الموارد البشرية عن طريق تبني نظام تعليمي استشرافي، وتحفيز أنشطة البحث والتطوير، وتعزيز الابتكار ودعم الإبداع، يمكن للأردن أن يصبح لاعبًا رئيسيًا في الأسواق الناشئة إقليمياً، إضافة إلى المجالات التي لم يتم اكتشاف إمكانياتها الكاملة بعد. كما أن تطوير مهارات المستقبل في الأجيال القادمة سيضع الأردن في موقع متميز، حيث يكون الشباب قادة للابتكار والتغيير، لا مجرد متلقين له. لذا، إذا استطاع الأردن تبني هذا المفهوم وتوجيهه نحو الاستثمار في موارده البشرية والتكنولوجية والتعليم والابتكار، فسيكون قادرًا على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المقبلة، ورسم مسار اقتصادي مستدام متين يجعل منه أكثر قدرة على التكيف مع متغيرات العصر، ويستجيب لتحديات الغد ويستفيد من فرصه الواعدة.