مكرم الطراونة
قبل نحو خمسة أشهر، حضرت اجتماعا في رئاسة الوزراء لمناقشة عدد من القضايا المحلية، كان من بينها الحديث عن إنجاز قادم في الطريق يتمثل بإعلان إربد عاصمة للثقافة العربية. التفاؤل الكبير كان يسود الحديث، خصوصا القول إن التحضيرات جارية للاحتفال بهذه المناسبة.
كان من المفرح جدا أن تشهد المملكة احتفالات كرنفالية بعد أن جثمت كورونا عامين على صدورنا، وما صاحبها من تضييق على الناس، في تحركاتهم وأرزاقهم حفاظا على الأمن الصحي، كما أن مدينة إربد تستحق مثل هذا اللقب، خصوصا أنها أنجبت شاعر الأردن عرار، وتتوفر فيها بنية تحتية مناسبة تستطيع إنجاح مثل هكذا احتفالية، علاوة على العدد الكبير للسكان، والذين يستطيعون المشاركة في إبراز الطابع الخاص لمدينتهم، وتراثها العريق.
لكن كما هي عادتنا دائما، نمتلئ بالكلام الكبير حول ما سنفعله، وعلى أرض الواقع يبقى الكلام معلقا بالهواء من غير فعل، وإذا قمنا بعمل ما فسيأتي هزيلا وبلا أي روح أو فائدة. هكذا استطعنا أن نحول هذه الاحتفالية إلى مأساة وهزيمة تستوجب محاسبة المسؤولين عنها!
ما حدث في الافتتاح الشعبي والافتتاح الرسمي يمكن فهرسته بسهولة في باب المهازل والكوارث التنظيمية، والتي أسهمت في أن تعكس صورة غير حضارية عن الأردن في مناسبة على هذا القدر من الأهمية. لقد لطخنا صورة الأردن، بدلا من أن نستغل المناسبة في الترويج لحضارة هذا الشعب وثقافته، وأسأنا إلى إربد بدل أن نسوق لها باعتبارها عاصمة الثقافة العربية، ومدينة جديرة بالزيارة.
شاركت بعشرات المؤتمرات في الأردن وخارجه، منها ما هو بسيط، ومنها ما يفوق حجمه حجم الاحتفال بإربد عاصمة الثقافة العربية، ولم ألحظ في أي منها ما يخدشها من إعداد وتنظيم واحترام الضيوف، والالتزام الصارم بالبرنامج الموزع مسبقا، ما عكس احترافية في العمل والأداء والتنفيذ، وهو ما لم نلمسه في احتفال إربد الأخير!
“أنا مدعو ما بقوم من مكاني”، أكثر جملة استفزازية شهدها الاحتفال الرسمي في إربد، ومردها أن ضيوفا عربا من وزراء ثقافة ودبلوماسيين وهيئات ثقافية، لم يجدوا مكانا ليجلسوا فيه خلال الحفل الذي كان برعاية ملكية، وبحضور رئيس الوزراء. ليس هذا هو الأردني الذي نألفه ونعرفه كمرحب بالضيف بكرم وحفاوة، وليست هذه هي ثقافة الأردنيين المعروفين بأنهم “نشامى”! ما دفع عددا من الضيوف لمغادرة قاعة الاحتفال بعد أن أصابهم الحرج والغضب.
حسب علمي، أخذ إطلاق الاحتفالية شهورا طويلة من الإعداد والاجتماعات واللجان التي تتشكل هنا وهناك، فكيف رسبنا في امتحان إجلاس الضيوف في أماكن مخصصة! هل تفاجأنا بحضورهم مثلا؟! كيف لم نستطع الالتزام بالبرنامج الموزع مسبقا، ولماذا كانت كل تلك الفوضى مصاحبة لبرنامج يفترض أنه تم الإعداد له على أفضل ما يكون التنظيم، خصوصا أن هناك مكتبا تنفيذيا خاصا بالاحتفالية، ويفترض به أنه يعمل على مدار الساعة لكي تنجح هذه الاحتفالية المهمة!
الاحتفالية انطلقت، وتلبسنا جميعنا عار التنظيم ووزره، ورغم مرور أيام على ذلك، لم نر حتى الآن أي بوادر على نية محاسبة المقصرين، والذين أشعرونا بالمهانة في موقف يتوجب أن نشعر فيه بالفخر. والأهم، أنهم ألبسوا إربد السواد، بدل أن يكللوها بالزهور.
فشلنا، إذن، وما دمنا نتعامل مع التقصير بمثل هذه الأريحية والتسامح، فابشروا دائما بالفشل!