أ. سعيد ذياب سليم
إشارة مرور
تجاور قائما يحمل لوحة إعلانية، وحمامة برية تمشي على الرصيف، تحمل شيئا بمنقارها، لتطير باتجاه تلك اللوحة، تدخل فجوة في قاعدتها، تغيب لحظة ثم تنزل مرة أخرى إلى الرصيف، يسير حولها المشاة في عجلة من أمرهم ليسوا مبالين بشيء، فالوقت صباحا والكل يسعى باتجاه عمله أو مدرسته أو جامعته خائفا أن يدركه الوقت فيتأخر.
تزاحمهم، تقترب من أقدامهم، تلتقط شيئا ثم تطير، ربما حمامتان تبنيان عشا وسط المدينة، ترقبان شرطي السير كيف يوقف سيل الوحوش المعدنية بصافرة ليسمح لسيل آخر بالمرور في اتجاه آخر غير حافل بإشارة المرور.
يندفع حولها الطلبة على أجنحة الأمل ، يضعون سماعات الأذن موصولة بهواتفهم ، يعزلون عن أنفسهم العالم من حولهم، يصطفون طوابير تطول أو تقصر في مواقف الحافلات، يقرؤون في صمت الوجوه حولهم بنظرات سريعة، تستمر همسات هواتفهم في آذانهم، كما لو كانوا أجنة موصولين بهذه الحبال السمعية. أهي الموسيقى؟ فيروز مثلا؟
إحدى الصديقات تتحدث عن الوصلة الصباحية لفيروز والقهوة كأنها صلاة أو طقس مقدس لديانة ما، لا تبدأ النهار إلا بها، عشق صباحي يوقد فينا جذوة الحياة ويفتح أبواب التفاؤل، البعض منهم استطاع كسر العادة والاستماع إلى كتاب صوتي “ِAudio Book” يستغل وقت انتظاره في قراءته خارج الإطار التقليدي، في زمن لا نجد فيه فرصة لنخلوا بأنفسنا والكتاب.
ما الذي ينتظرهم بعد التخرج؟ عندما تضيء إشارة المرور ضوءها الأخضر سامحة لهم بالاندفاع باتجاه المستقبل ، هل الشهادة هي الضمان الوحيد للحصول على عمل ؟ أم أن هناك متطلبات تفرضها أسواق العمل على المتقدمين لشغل الوظيفة في زمن كثر فيه حاملو الشهادات العلمية ؟ زمن سيطرت فيه الآلة على مجالات الحياة المختلفة، أتمتة المصانع استبدلت الأيدي البشرية وطردت الكثيرين خارج المعامل و المصانع، إذن ما الذي يميز الخرّيج عن غيره؟
يتحدث أصحاب الشركات عن “الجهل” المتفشي لدى حملة الشهادات، يتضح هذا عند التقدم للوظيفة والمنافسة للحصول عليها، فالبعض يفتقد لمعلومات أساسية في التخصص الذي يحمل شهادته، والبعض لا يتحدث سوى اللغة الأم، فكيف له أن يشغل منصبا يحتاج منه مخاطبة عميل أو زبون في الطرف الآخر من العالم في زمن العولمة، وكيف له أن يقوم بذلك وهو لا يمتلك القدرة على استخدام وسائل الاتصال الحديثة من بريد إلكتروني و غيره من برامج المكتب الحديث؟ والبعض لا يمتلك المقومات الشخصية الخاصة من ذوق وحضور و شغف.
حتى تكون متميزا و تفوز بالوظيفة يجب أن تحمل مصفوفة من المهارات اللغوية والفنية والعلمية، فكيف ومتى تحقق ذلك؟
قد تكون بحاجة لدورات تدريبية تصقل بها شخصيتك تبدأ بطريقة حديثك و مظهرك و إيقاظ موهبتك .
على هامش السهرة اجتمع رجل بسيدة أعمال ودار نقاش حاد بينهما، أيهما أفضل رجل المبيعات الموهوب بطريقته في الإقناع وشخصيته الجذابة “الأسلوب القديم” أم رجل المبيعات التقني المختص ” الأسلوب الحديث”؟ فالأول تقتصر مهارته على تسويق بضاعته أما الثاني فيخلق عندك الحاجة لشراء سلعته، عندما انطفأت أنفاس الأرجيلة اتفقا أن كلاهما بحاجة إلى تدريب خاص، في زمن يصعب فيه خداع الزبون وقد صار بيننا و بين المعلومة مسافة “ Click” .
سوق العمل يحتاج لذلك الموظف الذكي الذي يستطيع تحمل المسؤولية للقفز فوق حاجز اللامبالاة وتبني قرارات يستخدم فيها صافرته في وجه إشارة المرور إذا تعثرت.