ضيف الله قبيلات
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب و السـنة و اعتقدوا عدم الاكتفاء بهما عرض لهم من ذلك فساد كبير في فطرتهم و ظلمة في قلوبهم و محق في عقولهم, و عمتهم هذه الأمراض و غلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير و هرم عليها الكبير فما عادوا يرونها منكرا.
ثم جاءتهم دولة قامت فيها البدع مكان السنن, و النفس مقام العقل, و الهوى مقام الرشد, و الضلال مقام الهدى, و المنكر مقام المعروف, و الجهل مقام العلم, و الرياء مقام الإخلاص, و الباطل مقام الحق, و الكذب مقام الصدق, و المداهنة مقام النصيحة, و الظلم مقام العدل, فصارت الدولة للفسـاد و الفاسـدين و هم من يشار إليهم بالبنان.
فإذا رأيت هذه الدولة قد أقبلت و راياتها قد نصبت فبطن الأرض و الله خير من ظهرها, إذ اقشعرت الأرض و أظلمت السـماء و ظهر الفساد في البر و البحر من ظلم الفجرة, فذهبت البركات و قلت الخيرات و تكدرت الحياة من فسق الظلمة, و بكى ضوء النهار و ظلمة الليل من الأعمال الخبيثة و القبيحة و شكى الكرام الكاتبون إلى ربهم من كثرة الفواحش و المنكرات و القبائح, و هذا و الله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه, و مؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه, فاعزلوا عن الطريق هذا السيل بتوبة نصوح و الباب مفتوح.
قال تعالى ” الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب”.
ــ عن كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية بتصرف.