سهير جرادات
إيجابيات
من قال إننا بلد لا يتمتع بالايجابيات ! بل بالعكس، نحن بلد يعج بالايجابيات التي تحيط بنا من كل جانب ، وخاصة إذا اعتبرنا أن الفساد والواسطة والمحسوبية والشللية ايجابية للمتمتعين بها ، وأن غياب النزاهة والشفافية أمر إيجابي للمستفيدين من غيابهما.
أليس من الايجابية إعطاء الحق لمن لا حق له ، ومنح مواطننا الأمل وعدم اليأس من حصوله على منصب، أو لقب بغض النظر عن السجل الجرمي أو الفشل التعليمي والعملي لبعضهم ، والتقدير للكفاءات وتدويرها ، خاصة لمن يمتلكون قدرات خارقة وفريدة تمكنهم من البقاء في دائرة الضوء ،وحتى لو خرجوا يعودون بقوة للواجهة السياسية ، بعيدا عن قدراتهم الذهنية والصحية ، أو حتى العمرية ، فلا عمر محدد لتحقيق الطموح.
بالتأكيد أن إعطاء الفرصة للعدد الأكبر من أبناء الوطن بغض النظر عن إخلاصهم أو عدمه ليصبحوا ضمن أجندات الوزراء والمسؤولين، ضمن الايجابيات ،التي تمنح البعض منهم فرصة أن يصبحوا فاسدين ، وقادرين على استغلال مناصبهم ومواقعهم للمنفعة الشخصية ، عدا عن منحهم رواتب خيالية ، وإغداقهم بالهدايا على أشكالها كالمنازل والبيوت والفلل ، وفرصة ركوب السيارات الفارهة ، واستكشاف المطاعم والسفر وجنى المياومات ، وتنمية قدراتهم على الكذب والنفاق السياسي.
ومن الايجابيات التي ننفرد بها أيضا ، ما يحصل عليه البعض من رعاية لما بعد الخدمة ، ويتمثل ذلك بتحسين وضعهم المالي عن طريق منحهم (علة ) ، قد تصل نسبتها إلى “الجسيم” ، وتجاوز المخالفة القانونية ليتم تعيين مثل هؤلاء بوظيفة أخرى أكثر حساسية .
ومن المعجزات التي تحصل في بلدنا؛ تحول عدد لا بأس به من صفوف المعارضة إلى مقاعد الوزارة أو الهيئات المختلفة سواء مستقلة أو غير مستقلة ، وقد تكون الأمور بالعكس، عندما يتحول بعض المسؤولين رفيعي المستوى من صف الحكومة إلى صفوف المعارضة ، وتعيين أحدهم ست مرات خلال عام ، وتعيين عضو آخر في ثلاثة مواقع مختلفة ، وتصل الايجابية أن يتم تبديل طواقي الأمناء العامين إرضاء لوزير دب الخلاف بينه وبين الأمين العام ، وإعادة تدوير المناصب بين شخصين يتناوبان على مقعد رأس هرم مؤسستين ، والمبكي أن أحدهم بعد أن دمر إحدى هذه المؤسسات تم الاستعانة بخبراته لتدمير مؤسسة أخرى إلى حد ما، كانت مستقرة .
ويجب أن لا نغفل عن الايجابيات التي نتمتع بها إثر تطبيق سياسية الخصخصة التي ما زلنا نعاني منها ، ونتغافل عن ايجابيات عدم القبض لغاية الآن على الفار من وجه العدالة ، وصدر بحقه مذكرة جلب ، وما زال حرا طليقا .
دعونا نتوقف عند ايجابيات استخفاف الحكومة بالرد على استفسارات النواب ،وضربها مصلحة المواطن بعرض الحائط ،ذلك المواطن الذي يبحث عن أدنى متطلبات الحياة الكريمة ، ولجوئها لرفع أسعار المشتقات النفطية بالرغم من انخفاضها عالميا .
الايجابيات الحقيقية تلك التي تأتينا من قطاع التعليم، بعد أن سجلنا تراجعنا في امتحان “تيمس” للعلوم والرياضيات باعتراف القائمين على تطوير السياسات التعليمية :” بأن التعليم في الاردن لم يعد منافسا ” ، وما يشهده التعليم العالي من ارتفاع بالرسوم ، وزيادة أعداد المدرسين من الجنسيات الأخرى على حساب أبناء الوطن من أصحاب المؤهلات العلمية العالية ، الذين يعانون من البطالة ، عدا عن “الطوشات ” أو ما يعرف بالعنف الجامعي ، وما يستخدم به من سيوف وأسلحة نارية .
ومع ازدياد نسبة اللجوء إلى بلدنا تلاشت فرص الاردنيين في البحث عن العمل ، وانخفضت القوة الشرائية مقابل ارتفاع أسعار السلع ، وشح المياه وارتفاع الايجارات، وتزايدت الازدحامات المرورية مع غياب التخطيط ، وما يرافق ذلك من عنف شوارع يتوالد من الضغوط ، حتى وصلت إلى حد اشهار أحدهم السلاح في وجه من يعيقه عن المسير .
لم يعد العنف والجريمة يقتصران على المدارس والجامعات ، بل توسع كل منهما إلى داخل منازلنا وبصورة بشعة في ظل انتشار المخدرات في المجتمع .
لو فكرت للحظة بالايجابيات التي نتمتع بها في بلدنا الحبيب ، لوجدت أنها من الصعوبة حصرها أو حتى ذكرها ، لذلك نرد على كل من يشوه صورتنا المشرقة بأننا بلد يفتقد للايجابيات ويعج بالسلبيات ؛ فلو أمعنت النظر لأدركت من عيون المتمتعين بالسلبيات ، كيف حولولها إلى ايجابيات تخدم مصالحهم وتطلعاتهم ، ولكَ أن تتخيل أو أن ترسم صورة ايجابية للوطن .. وعيش اللحظة.