فارس الحباشنة
قبل ايام كتبت مقالا عن استراتجية عمان، ولقى المقال ردود فعل عارمة وواسعة من خبراء ومختصين في التخطيط والنقل العام والعمل البلدي.
ومضمون وعناوين استراتجية امانة عمان لم تخل من الدهشة والاستغراب، وخلفت اسئلة متراكمة و كثيرة عن الممكن والمستحيل، وواقعية الاستراتيجية ونجاعة التخطيط .
وما لفت انتباهي تعليق من خبير نقل عام، وقال.. كيف لامانة عمان ان تكون احدى مشروعاتها في النقل العام، هو تحديث المخطط الشمولي للنقل والمرور لعشر سنوات، وبنفس الوقت تقول: بانها سوف تقوم بالبدء بالمرحلة الثانية من الباص السريع على محاور رئيسية في العاصمة!
وضعت امانة عمان الحصان امام العربة.. وكيف تقرر هذه المحاور الجديدة للباص السريع، وتنتظر في الوقت نفسه تحديث المخطط الشمولي للنقل والمرور؟
أليس من المنطقي والمفترض ان تكون احدى مخرجات هذا المخطط المسارات التي يجب ان يمر بها الباص السريع والقطار الخفيف واية وسيلة نقل عام، وذلك في ضوء متغييرات سكانية وديمغرافية في عمان.
وفي استراتيجية امانة عمان وصفت مخرجات النقل العام بانها تحد.. ومشهد تسيير باص عمان على مسارات الباص السريع سوف يتكرر مجددا ،ويبدو انه لا يوجد بديل عنه، وانه الحل والخيار النهائي، ولتغطية الفشل البليغ والذريع في ادارة وتشغيل باص عمان.
في الاستراتيجية حشو لمشاريع لا جدوى لها، بل ان هناك مشاريع مرفوضة، وعلى سبيل المثال مشروع المعالجة البيولوجية المكيانيكية للنفايات، وهو مشروع قديم تم رفضه تماما من خبراء ومختصين في امانة عمان، واكدوا في دراسات عميقة لامين عمان الحالي ان المشروع غير مجد، وذو مخاطر عالية بيئية وغيرها.
وحذر الخبراء من الرضوخ للجهات المقرضة لهذا المشروع، والتي كانت تضغط بشكل كبير على امانة عمان للسير نحو تنفيذه والشروع في تطبيقه.
ولربما ان اخطر سؤال يطرح الان، لماذا امانة عمان ترتمي في احضان الجهات الدولية المقرضة؟ وتسمع هذا السؤال المؤلم من موظفين كبار قدمى وعاملين في امانة عمان. والجهات المقرضة الدولية بالاول والاخير هي بنوك تجارية هدفها الربح والتربح.
وعلى سيرة مديونية امانة عمان وازمتها المالية .. أليس من الاجدر ان تقوم الامانة بوضع استراتجية مالية لزيادة العوائد والايرادات وتخفيض قيمة الدين الهائل والمستمر والذي تجاوز المليار دولار؟
نعم مليار دولار، لا تستغربوا، وفي حسبة سريعة، كل عماني مدان ب 500 دينار، ولم اجد في الاستراتجية اي ذكر لهذا الموضوع الذي يعتبر استراتيجيا بل سياديا، وخلت الاستراتيجة ما يشير الى الامانة سوف تقوم بتخفيض دينها الى نسبة 50 او40 % على سبيل المثال.
وايضا، من اين سوف تقوم امانة عمان بتمويل وتأمين العوائد المالية للمشاريع القادمة؟ حدا يرد ويجيب، واذا كانوا يراهنون على البنوك فانها مازالت بين شهر وشهرين تكشف حساب امانة عمان.
وبما يخص مشاريع تطوير شرق عمان، هل ستمول من جهات دولية ام بنوك محلية؟ الاستراتيجية لم تشر الى الجهات الممولة والمقرضة، وامانة عمان تتجنب الاجابة عن هذا السؤال واسئلة كثيرة عالقة.
تقول استراتيجة امانة عمان ان شرق عمان في مناطق ماركا والنصر والنظيف والقويسمة سيتم تطويرها بميزانية 1.5 مليون دينار .. وهل هذا البلغ يكفي لدراسات وابحاث للتطوير؟
شرق عمان ديمغرافيا تعني ثلثي سكان العاصمة وجغرافيا ثلثي مساحتها.. ومناطق عمان الشرقية تعاني من مشاكل بيئية وحضرية ومرورية وخدماتية وتنظيمية.
تطوير شرق عمان يحتاج الى ارادة و قرار سياسي، ويحتاج الى استراتيجة وطنية تنموية شاملة تتشارك بها وزارات ومؤسسات معنية مختلفة.
شرق عمان يعاني من تكدس عمراني وتشوهه عمراني وعشوائيات بالبناء، ونقص بالخدمات ومشاكل بيئية كثيرة.
واكثر ما يحتاج شرق عمان لاستراتجية نهضوية تنموية واجتماعية ذات معالم واضحة واهداف قابلة للتطبيق، وتجعل جودة الحياة افضل في مناطق تنعدم فيها شروط العيش الطبيعي.. وليس مبلغ 1.5 مليون دينار لا يكفي حتى لدراسة حضرية مستفيضة لمنطقة واحدة وحي وحارة من شرق عمان.
ما يطرح حول جودة الحياة والعيش في مناطق شرق عمان في استراتجية الامانة ضمن مشاريع مدينة ذكية وتدوير نفايات وبرامج تمكين والكثير الكثير من النسخ الرديء لمشاريع سابقة.
وعندما تطالعك اخبار امانة عمان تشعر انك في مدينة اوروبية ما كان ينقصها سوى هذه الامور الرتوش الصغيرة .. و نسيت امانة عمان ان جودة الحياة هي شوارع مصانة وارصفة قابلة للمشي ومساحات وفضاءات عامة كبيرة مؤمنة ومؤثثة للانسان، كما نسيت امانة عمان ان جودة الحياة تعني الراحة من مسببات ازعاج مشاريع الاسكان، و نسيت امانة عمان ان جودة الحياة تعني مظلات ومقاعد على ارصفة رحبة ،ونسيت امانة عمان ان جودة الحياة تعني ان ما ادفعه من رسوم وضرائب مقابله يتلقى المواطن خدمة كريمة.
كنت اتمنى لوان امانة عمان وضعت ضمن استراتيجيتها واولوياتها اولا صيانة شوارع تصلح لسير المركبات وارصفة تصلح للمشي، وخدمات جيدة في مدينة ضرب الوهن وتردي الخدمات عمق بنيتها التحتية وبحاجة لسنوات كثيرة ومئات الملايين لصيانتها واستدامتها.
واسمحوا لي بالختام القول.. ان هذه الاستراتيجية، ما هي الا (فزعة منمقة) معروضة بشكل جميل، ولكنها لم تخرج من مفهوم (الفزعة)، والله هو الشهيد!