فارس الحباشنة
في مقالين سابقين تحدثت عن استراتجية امانة عمان. والمقالان فتحا حديثا عارما في الاوساط المعنية عن الاستراتيجية، وكيف ولدت وكيف تم صياغتها ؟
و كنت انتظر ردا من امانة عمان على حقائق ومعلومات نشرتها في مقالين عريا صواب ونموذجية الاستراتيجية ووضعها في دائرة الاتهام..
و بلغني من مصادر خاصة بامانة عمان ان مدراء كبار دقوا على صدورهم في اجتماع امام امين عمان للرد على ما ورد في المقالين حول الاستراتيجية ومثالبها، وهذا ما لم يصل منه حرف واحد الى الاعلام.
و لو وصلنا في جريدة الدستور اي رد صادر عن امانة عمان سنقوم بنشره، وهذا حق مضمون ومحفوظ مهنيا واخلاقيا.. وابوابنا في الاعلام الوطني الحر والملتزم مفتوحة للرأي والرأي الاخر.
و في معرض نشري لمقالين سابقين عن استراتيجية عمان، تلقيت اتصالات وتفاعلات كثيرة قطاعية ومهنية ومتخصصة ، واكثر ما اثار اندهاشي ردود فعل خبراء في التطوير الحضري حول الاستراتيجية.
واول ما سجل من ملاحظات جارحة بحق الاستراتيجية انها بعيدة كل البعد عن الهموم الوطنية والتحديات الكبرى، ولم تتسق مع الرؤية الاقتصادية التي اطلقها جلالة الملك.
من صاغ الاستراتيجية غاب عن عقله ان المدن قلب نابض للدول، وانها روافع للتنمية وفي تطور الدول ونموها الاقتصادي. وكيف ذلك ؟! والاستراتيجية لم تشر الى التخطيط الحضري المستقبلي، وما يتضمن ايضا انسحاب العمران على امتداد واسع لمناطق حضرية واسقاط مشروعات تنموية واقتصادية ضمن تلك المناطق.
فمثلا، اين معالجة ازمة الاسكان والاسكان الاجتماعي، وفي مواجهة غلاء اسعار الشقق والتضخم الاقتصادي، وازمة الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل، ولماذا لا تتولى امانة عمان ووزارة الاشغال والاسكان تنظيم وتطوير واعداد البنية التحتية لمناطق جديدة، وتأهيلها للاعمار والتنمية والاسكان ؟
هذا من واجب ومسؤولية البلديات، وللبلديات ايضا دور في محاربة الفقر والتنمية، وزيادة الدخل وخلق فرص عمل.. وعندما تغيب هذه المفردات عن استراتيجية امانة عمان، فهذا يعني ان المخطط ومن صاغ الاستراتيجية لا يفقه مطلقا في المدن وتخططيها وتنظيمها.
ومن صاغ الاستراتيجية اتحدى انه لم يطلع على تقارير حالة البلاد الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي.. واتحدى ان الاستراتيجية تم اعدادها وتحريرها دون حوارات مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، فهل حاورت امانة عمان ممثلي غرف صناعية وتجارية وسياحية، وهل شاوروا خبراء ومختصين في التنظيم والتخطيط الحضري ؟
ولو توقفنا عند السياحة مثلا. هل من المعقول ان يتم ادراج السياحة في الاستراتجية دون مشورة المجلس الاعلى للسياحة ؟ وفي الاستراتيجية ثمة تجاهل لحقيقة مدينة عمان، وانها عاصمة للدولة الاردنية، وانها تسهم باكثر من نصف الناتج القومي الاردني، وتحتضن نصف سكان الاردن.
و لم يخطر على بال من صاغ الاستراتيجية ان مقومات السياحة في عمان عريقة وعملاقة.. وان حصرها في مشاريع تزفيت وتبليط للمواقع السياحية وبازارات صغيرة، فانه انتقاص وتهميش للاقتصاد السياحي العماني الواعد والثري .
و في مقابلة تلفزيونية سابقة قال امين عمان الحالي البلد بحاجة الى مجلس اعلى للتخطيط. مقترح جريء، ولكن لماذا لم يدافع عنه الامين في استراتيجية الامانة، فاين التخطيط والتنسيق والتشاركية في اعداد وتحرير الاستراتيجية ؟
فاين التخطيط مع وزارة الاشغال والاسكان والتربية والتعليم والصحة والبئية ؟ نعم، وزارة التربية والتعليم، دون استغراب.. أليس في فقه التخطيط للمدن والتخطيط الحضري ثمة ضرورة لمراعاة بناء المدارس والجامعات من منظور بلدي تنظيمي وتخطيطي.
و أليس من صلب عمل امانة عمان التنظيمي ان توفر بنى تحتية واراضي لمراكز صحية ومستشفيات ومراكز طبية ؟
مفردة الانسان سقطت من الاستراتيجية، ولا حرف واحدا اشار الى ان الانسان اولا هو روح ومحرك التنمية والتخطيط، والبناء الوطني.. ولربما في ادبيات التخطيط فان السياسة العامة والمشروع والقرار موجه انسانيا لخدمة المواطن، وما يتعلق في الحاكمية البلدية والحكم المحلي، فالانسان هو المركز .
وفيما لو فتشنا عن الاستثمار في الاستراتيجية، فالمضحك المبكي في توصيف الاستراتيجية للاستثمار بمشاريع لا تتعدى بناء مجمعات تجارية ومواقف سيارات «كراجات «في غرب عمان وفي اراض مملوكة لامانة عمان.
ما اعرفه، وبحكم عملي الصحفي.. ان الاستثمار يعني يعني جلب رأس المال لمشاريع ضخمة وتوفير البنى التحتية اللازمة للمستثمر مثل مشاريع الاسكان الكبيرة والمدن الصناعية والاستثمار في المشاريع الخدمية الكبيرة مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات ومدن الصناعات الرقمية وليس بناء مجمع تجاري وتزفيت كراج سيارات، وتأجير ارض لمطاعم وجبات سريعة !
لا اقلل من اهمية استراتيجية امانة عمان، ولا من خبرة من صاغها وحررها، ولكن في تقديري المتواضع فانها اعدت على عجالة وسلقت على نار مشعوطة.
فاين مشورة اهل الرأي والخبرة والاستشاريين والمختصين ؟ ولربما ما هو جلي وواضح ان معظم ما ورد فيها لا يتعدى مفهوم « تسيير العمل اليومي «، لم تخرج امانة عمان من دائرة هذا المنطق والمفهوم.
في عمان لسنا نائمين في العسل .. والمثل العربي قال: تكحيل العين يمكن ان يعميها .. واشبه ما يقال في ختام كلامي ان معدي ومحرري الاستراتيجية من خارج الخبرة والاختصاص والمسؤولية.. واشبه بحق يقال به باطل وليس باطلا واحدا فقط، واذا ما اكتفى المعنيون في الصمت والتعمية دون ان يردوا، ولو بحرف واحد بما يتعلق في سلسلة مقالاتي حول استراتيجية امانة عمان.