محمود الخطاطبة
استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الأردنية، حول تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتعديلات المتعلقة بقانون الانتخابات النيابية، والذي أعلن عن نتائجه، مؤخرًا، يُسلط الضوء على مفاصل أو مؤشرات مهمة في كيفية نظر الأردنيين، وخصوصًا فئتي الشباب والمرأة، إلى الانتخابات البرلمانية والأحزاب.
مفاصل أو مؤشرات، يجب أن يضعها صاحب القرار، وكذلك المواطن نفسه، على رأس أولوياته واهتماماته، كونها تدل على خلل واضح المعالم، قد تكون له آثار سلبية في المستقبل القريب.. فالأمر يتطلب العمل وبكل جدية وقوة لكي نتجاوز السلبيات التي خرجت بها نتائج ذلك الاستطلاع.
منذ انتخابات مجلس النواب الثاني عشر، وكل مراكز الدراسات والاستطلاعات والاستبانات وكذلك المراقبين، يؤكدون أن قانون الصوت الواحد، هو بمثابة مقتل في العملية الديمقراطية، وتترتب عليها سلبيات، تؤثر على الوطن والمواطن على حد سواء.
الغريب أن الاستطلاع الأخير، يُظهر بأن 68 بالمائة من الأردنيين (الغالبية)، يؤيدون قانون الصوت الواحد، وما يدعو للاستغراب أكثر هو أن أكثر من نصف الأردنيين (55 بالمائة) لا يرون بأي أثر سلبي لهذا القانون على عملية المشاركة في الانتخابات.
إن ذلك يدعو للتساؤل والبحث عن إجابة شافية لمثل هذه النتيجة، فكيف يكون قبل فترة وجيزة جل الشعب الأردني ضد قانون الصوت الواحد؟، ويضعون اللوم كله عليه في عدم إفراز مجلس نيابي قوي، يُمارس سلطاته وصلاحياته الرقابية والتشريعية، على أكمل وجه.. واليوم الأغلبية تؤيده؟!
نقطة ثانية، يجب دراستها بشكل مستفيض، والوقوف على مخرجاتها مليًا، والتي تتمثل بأن 75 بالمائة من المستطلعة آراؤهم يؤيدون تخصيص مقاعد في مجلس النواب لمترشحين على مستوى الوطن (قائمة وطنية).. لعل ذلك شيء أكثر من رائع، فعندما يكون ثلاثة أرباع الأردنيين يطالبون بمقاعد على مستوى الوطن، فإن ذلك يدل على أننا قد وصلنا إلى مرحلة نستطيع معها القول بأننا وضعنا يدنا على الجرح.
لكن ما يُنغص ذلك، أن ما يُقارب نفس النسبة (72 بالمائة) تؤيد أن تكون تلك المقاعد من قوائم تُشّكل من أفراد، وليس من أحزاب، لا والأنكى من كل ذلك أن 68 بالمائة ضد تخصيص مقاعد للأحزاب في مجلس النواب، حتى أولئك الذين يؤيدون وجود قوائم حزبية، وتبلغ نسبتهم 39 بالمائة، يرون بأن العدد المناسب للأحزاب في المجلس النيابي يجب أن يكون أقل من 10 مقاعد.. ما يعني على رأي المثل الدارج “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”، فالأمر محتاج إلى جهود مضنية ومتواصلة، يتم العمل بها على تغيير ذلك الفكر والرأي، فالأحزاب تُعتبر أحد الأساسات الرئيسة لعملية ديمقراطية سليمة.
النقطة الثالثة الرئيسة، تتمحور حول فئتي الشباب والمرأة، فللأسف هاتان الفئتان، التي تأخذ تفكير جل المسؤولين ويركزون عليها في كل أحاديثهم ومناسباتهم، فإن 76 بالمائة من الشباب و78 بالمائة من النساء ضد القوائم الحزبية، وثلاثة أرباع الشباب الأردني، و71 بالمائة من النساء، ميال إلى قانون الصوت الواحد، بكل ما فيه من سيئات، ساهمت بتدمير ديمقراطية أردنية، كانت رائعة إبان انتخابات مجلس النواب الحادي عشر.
الكرة الآن، في ملعب صانع القرار، لكي يقوم بوضع خطة خمسية أو عشرية، يكون على رأس أهدافها تغيير نظرة الأردنيين للديمقراطية بشكل عام، والأحزاب بشكل خاص، إذا ما أرادت ديمقراطية حقيقية، تقود إلى حكومات برلمانية حزبية، ويجب أن تبدأ تلك الخطة بطلبة المدارس، شريطة أن نبتعد عن طلبة الصفوف الأولى، ومن ثم طلبة الجامعات، لزرع مفهوم الديمقراطية في رؤوسهم وجعل ممارستها والمشاركة فيها أمرا بديهيا قائما على حب الوطن والإخلاص إليه، بعيدًا عن أي انتماءات ضيقة.
وللإنصاف، فإن الجامعات، بأعضاء هيئتها التدريسية وطلبتها، يقع عليها أيضًا إجراء بحوث ودراست حول تلك النتائج، تكون بالنهاية مفيدة لجميع الأطراف.
مراكز الدراسات تقوم مشكورة، بوضع نتائج دراستها أمام صانع القرار، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات وطلبة الدراسات العليا، لإجراء بحوث على تلك النتائج، تكون بالنهاية مفيدة لجميع الأطراف.