د.حسام العتوم
إن مصطلح الاستقلال سياسي جامع يضم في أكنافه الهوية الوطنية والقومية، والاقتصاد، والثقافة، والحرية . فكيف يكون الأمر عندما يتطلب الحديث عن استقلال وطننا الأردن الغالي الذي بنته ثورة عربية هاشمية أصيلة وجموع القوميات والعشائر الرافضة للهيمنة والاستعمار عبر محطات راسخة في عمق التاريخ المعاصر .
ومع الثورة العربية الكبرى المجيدة وملك العرب وشريفهم الحسين بن علي ورصاصته الأولى من مشارف مكة عام 1916 كانت البداية،وشكلت صيحة عربية هاشمية جريئة بوجه بقايا الامبراطورية العثمانية بهدف بناء دولة إمارة شرق الأردن وبلاد الشام، والمضي قُدماً صوب بناء دولة العرب الكبرى . لكن الصهيونية الماكرة والاستعمارين الانجليزي والفرنسي عبر ما سمي بمعاهدتي سايكس- بيكو ووعد بلفورعامي 1916-1917 كانوا لها بالمرصاد بهدف احباطها مع نهاية الحرب العالمية الأولى، ولتمرير وتغليب مشروعهم الاستعماري المشترك من وسط فلسطين العربية من خلال تهجير اليهود الرحيل إليها وترحيل أهلها العرب أصحاب الأصول الكنعانية منها .
والوحدة العربية التي ناسبت العرب عبر ثورتهم وما زالت لم ولن تناسب الفرنج يوماًالذين يحدقون حتى الساعة في شأن العرب ووحدتهم ومصيرهم، والباحثين عن بقائهم مفرقين في زمن بقيت فيه الصهيونية موحدة تساند بقاء إسرائيل خادماً أميناً للحرب الباردة المنطلقة مع نهايات الحرب العالمية الثانية عام 1945 .
كتب المؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى في مؤلفه ” الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 19081924 ص 694695 ” إن ما يهمنا هنا هو أن الملك حسين قام بالثورة وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أن الوحدة العربية ستكون من جملة نتائجها. فكيف كان الملك يتصور بناء تلك الوحدة؟ إن الوثائق المتوافرة بين أيدينا تدل أن الملك كان يتصور وحدة بين الأقطار العربية المتعددة ترتبط ببعضها بعضاًبروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد . انتهى الاقتباس .
والثورة العربية الكبرى التي حطت برحالها جنوب الأردن في مدينة معان وتقدمها الأمير عبد الله الاول الملك لاحقا، وتنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على سوريا 1920 ، ومن ثم ملكاً على العراق 1921 -1933، أعطت مؤشراً على أن المنطقة الشامية إلى جانب الحجاز مؤهلة اليوم لمواصلة قيادة وحدة العرب من جديد،والتوسع في المشروع الوحدوي ليشمل كل العرب المحتاجين لتشكيل قطبهم الواحد إلىجانب أقطاب العالم، وليشكلوا من جديد قطباً مستقلاً غير منحاز للغرب أو للشرق في وقت بلغت فيه امكاناته المادية من المصادر الطبيعية ذروتها من نفط وغاز ومعادن ثمينة وبحار .
ويسجل للأمير عبد الله الأول الملك المؤسس لاحقا عام 1946 صنعه لصحافة الاستقصاء بتوقيع “ع” ، وجلبه للمطبعة إلى داخل الأردن من عمق فلسطين – مطبعة حنا نصرعام 1923 . وشكل اغتياله عام 1951 سابقة خطيرة في تاريخ الأردن المعاصر مازالت ظروفها غامضة حتى يومنا هذا . كتب بكر خازر المجالي مقالة في موقع عمون الإخباري بتاريخ 20 .7. 2013 بعنوان ” لازالت الاسرار تكتنف اغتيال الملك عبد الله الأول ” تحدث فيها بدقة عن احتمالات الاغتيال مثل قبول جلالته بقرار تقسيم فلسطين رقم 181 لسنة 1947 ، ولطموح جلالته بتحقيق مشروع سوريا الكبرى، وللانتصارات التي حققها الجيش العربي في حرب 1948 ، ولدور جلالته المباشر في وحدة الضفتين عام 1950 ، ولمشروع وحدة الأردن والعراق في عهد جلالته . وشخصيا أرجح أن يكون مشروع وحدة الأردن والعراق الذي امتد إلى منتصف الخمسينات وقوبل بحملة شعبية غاضبة لتحويله الانظار عن الصهيونية واحتلالها لجزء هام من فلسطين عام 1948 هو السبب الأقرب لحادثة الاغتيال يليه موضوع القبول بقرار تقسيم فلسطين المذكور أعلاه هنا والله أعلم بكل الأحوال . وتبقى حادثة الاغتيال مؤسفة بكل تأكيد .
ويواصل مسيرة النهضة الأردنية عام 1952 ملك الدستور وصانعه طلال بن عبد الله الأول . ويحقق نجاحاً دستورياً فريداً سجله تاريخ الأردن والعرب، ولم يتمكن الأردن قبل ذلك من صياغة دستور يرتكز علية نظام الحكم بسبب العراقيل التي اظهرها الانجليز وقتها، ولم تصمد محاولات ابراز دساتير أعوام 1923 و1928 و 1946 .وتمكن الملك طلال تبيان أن نظام الحكم في عهده وإلى الأمام أصبح نيابياً ملكياً وراثياً، وثبت حقوق المواطن الأردني مبكراً عندما أعلن دستورياً بأن الأردنيين أمام القانون سواء، وبأن حرية التعبير مكفولة في إطار القانون ، ونظم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية،وحدد بأن المملكة الأردنية دولة عربية مستقلة،وبأن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية .
وجاء عهد الملك الحسين الباني ليستمر في البناء وعلى كافة المستويات ورغم شح الموارد الطبيعية منذ عام 1953 وحتى عام 1999 . وعرف الأردن وسط العرب وفي الإقليم وعالمياً من خلال اسم جلالته طيب الله ثراه . فكان ملكاً عظيماً حقاً أحبه الأردنيون والعرب والعالم . وأكبر المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية والطبية والأعمال الخدمية ” البنية التحتية ” بنيت وواصلت البناء في عهد جلالته رحمه الله . ومن أهم انجازات الحسين الراحل الجريئة تعريب قيادة الجيش عام 1956 بعد طرد كلوب باشا وأثنين من معاونيه والقدوم بقيادة أردنية عسكرية بقيادة اللواء راضي عناب .وكما أن الأردن لم يكن مسؤولاً عن نكبة فلسطين عام 1948 بسبب غياب التنسيق العربي وقتها لم يكن الأردنمن جديد مسؤولا عن نكسة حزيران عام 1967 التي زجه فيها مشروع جمال عبد الناصر الذي استهدف تحرير فلسطين التاريخية تحت شعار “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ” لكن القوة الواجب امتلاكها لم تكن متوفرة وكانت محدودة والوحدة والعمل الاستخباري لم يكونا بالمستوى المطلوب.
ولم يتفق وصفي التل مع ضرورة معركة حزيران لمنع خسران ماهو أكبر من البشر وعنى وقتها الوطن . وكان الأردن قد فقد بدايات ستينات القرن الماضي هزاع المجالي شهيدا تحديدا عام 1960وسط ظروف غامضة ذات علاقة بالقضية الفلسطينية وبمشروع الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس كاملة وقتها . وجاء النصر في الكرامة عام 1968 في عهد الحسين الراحل وبدور مباشر لقائد المعركة الميداني البطل مشهور حديثة الجازي وأعوانه الضباك والجنود الأردنيين النشامى وبجهد تاريخي لقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي والمقاومة الفلسطينية . وهي المعركة التي فرضتها إسرائيل كما باقي معاركها على الأردن والعرب، لكنها لم تتوقع خسرانها الشنيع فيها وتكبدت خسائر فادحة ، وقدم الأردن واهل فلسطين من وسط الخندق الواحد كوكبة من الشهداء عبروا تاريخنا الأردني الفلسطيني المشترك بشرف وسطروا المجد ببسالة قل نظيرها، وشكلوا اوسمة على صدر الأمة العربية . سجل مشهور حديثة الجازي شهادته عن الكرامة ودونها اللواء محمود الناطور في كتابه ” معركة الكرامة ” ص174 بقوله ” .. غير أن حسن استخدام قواتي لأسلحتها وتمركزها الجيد بأستخدام أفضل الأساليب القتالية، وحسن التنسيق بين الأسلحة والتعاون التام مع القواعد الفدائية المتواجدة على المحاور شكل كل ذلك قوة دفاعية متكاملة ضد العدو ..” .
وبين عامي 1970 و 1971 اختلطت الأوراق، وحدث الاختراق ، واسيء فهم تقاسم النصر في الكرامة . وحدث الاصطدام ، ولم يرغب مشهور حديثة الجازي أن يخرج من الخندق الواحد، وتم تكليف وصفي التل بضبط أمن الأردن وكانت النتيجة المباشرة بالنسبة له الاغتيال، وقضى شهيدا بطلا ، وأصبح رمزاً وطنياً وشخصية وطنية تاريخية . ولو قبل الجازي دور وصفي لغدا شهيداً مكانه . وخرج الأردن بكامل نسيجه الاجتماعي والسياسي صوب الوحدة الوطنية من جديد، وأصبح أكثر قوة من ذي قبل . وسار الأردن عبر مسيرة استقلاله الطويلة والمنيرة إلى الأمام ووجد نفسه أمام معركة جديدة مع العدو الإسرائيلي خارج حدوده وتحديدا في قلب الجولان وسط معركة سميت بحرب تشرين وأطلق عليها الصهاينة اسم يوم الغفران . ولقد صمم المعركة كل من سوريا ومصر بهدف تحرير الجولان وسيناء ، واشترك في المعركة قوات من الأردن، والعراق ، والسعودية ، والمغرب . وكانت مشاركة الأردن العسكرية واضحة عبر اللواء المدرع”اربعون” لقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة- الجيش العربي بقيادة الجنرال خالد هجوج المجالي ، وقدم الأردنكوكبة من الشهداء، وكانت نتيجة المعركة سارة ومفرحة، وأضفت إلى تحرير جزء من مدينة القنيطرة الجولانية مع استمرار حرب الاستنزاف لثمانين يوماً بعد ذلك .
في كتاب مروان المعشر ” نهج الاعتدال العربي – مذكرات سياسية 1991-2005 .ص 29 نقرأ ” .. فأدى الأردن بذلك دوراً أساسياً في صوغ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في نوفمبر تشرين الثاني 1967 واقراره،وقد دعا القرار إسرائيلإلى الأنسحاب من كل الاراضي التي احتلتها في الحرب، مقابل حصولها على السلام . منذ ذلك الوقت اصبح مبدأ ” الأرض مقابل السلام ” الركيزة الاساسية لسياسة السلام الاقليمية التي يتبعها الأردن . وفي صفحة 38 منه كتب المعشر أيضاً ” .. لكن إعلان الملك حسين قطع العلاقات القانونية والإدراية مع الضفة الغربية وضع حداً لذلك كله ” وقصد وقتها في كتابه الجدل الذي كان قائماً في الأردن حول قيام الدولة الفلسطينية ، وهو الذي انجح خيار حل الدولتين على المستوى السياسي الرسمي أيضاً والقول هنا لي . و نقرأ في صفحة 38 هنا أيضاً ” كان فك الارتباط مثيرا للجدل، ودار حوله نقاش حاد منذ ذلك الوقت . لكن الملك حسين كان واضحا في نقطتة محددة: لن يؤثر قرار الارتباط على حقوف الأردنيين من أصل فلسطيني. وفي الخطاب الذي اعلن فيه فك الارتباط في 31 يوليو تموز 1988، قال الملك صراحة إن إجراء فك الارتباط” لا تطال بأي طريقة من الطرق المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني في المملكة الأردنية الهاشمية، فهم يتمتعون بكامل حقوق المواطنية وواجباتها ، شأنهم في ذلك شأن أي مواطن أخر ، بغض النظر عن أصلهم . انهم جزء لا يتجزأ من الدولة الأردنية “. وتعليقي هنا هو بأن قرار مليكنا الراحل العظيم الحسين لم ينطلق من فراغ ولم يذهب إلى فراغ فلقد ارتكز على نتائج وقرارات مؤتمر الرباط عام 1974 الداعي وقتها للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني . ولقد علق عدنان أبو عودة أثناء مقابلة إعلامية معه اجراها الصحفيان معين الطاهر ومعن البياري بتاريخ 26 سمبتمبر 2017 بأن خلف إعلان الرباط وقف هنري كيسينجر وزير خارجية أمريكا آنذاك والذي عرف بتبنيه سياسة الخطوة خطوة وسط الصراع الدائر بين العرب وإسرائيل خاصة بعد حرب اكتوبر عام 1973 .
وبين أعوام 1980 و 1988 وجد الأردن ذاته ومن وسط مساره القومي في الخندق العراقي بهدف صد الهجوم الصفوي الإيراني طويل المدى، وزار مليكنا الحسين رحمه الله الجبهة وقتها والتقى الشهيد لاحقا صدام حسين . وفي عام 1990 أصدر الأردن كتاباً ابيضا لتأكيد استقلال دولة الكويت العربية الشقيقة . وتضمن الكتاب عرضا تاريخيا للأزمة المؤقتة بين العراق والكويت وقتها ، ولجهد مليكنا الراحل الحسين في نزع فتيل الأزمة على مستوى الاقليم والعالم . ولقد كتب جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ” حفظه الله” في مؤلفه ” فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر. ص 92 ” كان والدي يشعر، في ظل وجود أكثر من 375 ميلا من الحدود المشتركة مع إسرائيل آنذاك، بأن المباحثات معها كان لابد منها لتجنبنا الحرب . وبعد الكارثة التي ابتلينا بها في العام 1967، كان علينا أن نبذل المستحيل لتفادي كارثة أخرى ” انتهى الاقتباس . وكتب مروان المعشر أيضاً في كتابه ” نهج الاعتدال العربي ” ص 40 ” .. وقد اعقبه اول اجتماع علني بين رابين والملك في واشنطن في 25 يوليو تموز 1994. وتوج هذا الاجتماع بإعلان واشنطن الذي اقرت فيه إسرائيل بأن للأردن دورا خاصا في الحفاظ على الاماكن المقدسة في القدس، وبأن المفاوضات حول الوضع النهائي للاجئين لن تحصل من دون مشاركة الأردن . ثم جرت تهيئة الساحة لحل المسائل العالقة الأخرى بين الأردن وإسرائيل- لا سيما الحدود- وتوقيع معاهدة سلام في وادي عربة بين البلدين في 26 اكتوبر تشرين الاول 1994 . انتهى الاقتباس . وتعليقي المتواضع هنا هو بأن مليكنا الراحل الحسين حمل الهم الوطني الأردني على كتيفيه واستشعر المستقبل . وبحث عن السلام ولم يترك السلاح جانبا، وهو الأمر الذي ثبت لنا في النصر في الكرامة بأسم كل العرب ، ومضى قدما ساعيا لتوقيع معاهدة سلام يقبل بها الأردن وإسرائيل معا . وكان لمعركة الكرامة دور في تشجيع العقلية الإسرائيلية لقبول سلام مع الأردن بعد أن استوعبت خسرانها في الكرامة وحولته لدرس تاريخي لها لاينسى .
وشكل عام 1999 مرحلة حزينة لرحيل أغلى الرجال الحسين بن طلال طيب الله ثراه . وهو الملك الذي قاد الأردن 46 عاما من البناء ولقب شعبيا بسيدنا الباني وتماما بحجم سنوات الاستقلال، وكان حكيما وليس حاكما فقط ،واحبه الأردنيون جميعهم، وأبكاهم فراقه . وشاهد العالم وتابع جنازته المهيبة والوازنة بالعدد الكبير لزعماء المنطقة والعالم . وفي كتاب جلالة الملك عبد الله الثاني ” فرصتنا الاخيرة ” ص 177 نقرأ ” عم الحزن والأسى أرجاء الأردن على مدى الايام والأسابيع التي تلت وفاة والدي، وقد حد الأردنيون على ملك لم يكن معظمهم قد عرف قائدا سواه. أما انا فكنت أمام صراع ذاتي في مواجهة الخسارة التي أصابتني بفقدان والدي الذي طالما كان ذا حضور حازم وموجهة في حياتي . لكن الوقت كان أضيق من أن يتسع كثيرا لحزني الشخصي ، ففي الليلة السابقة لجنازته نمت وأنا رب عائلة من أربعة افراد لأستفيق صباح اليوم التالي وقد أصبحت عائلتي خمسة ملايين نسمة . وإذا شئت أن أذكر درساً بعينه تلقنته من والدي ومعلمي فهو أن على الملك أن يكون راعياً لشعبه أكثر منه حاكما لهم .
ونحن هنا في الأردن نقول دائما عاش الملك ، ومسيرة الخير الملكية الهاشمية الأردنية باقية مستمرة مادام قلب الوطن ينبض بعطاء ابنائه وبناته النشامى والنشميات . ورحم الله سيدنا الملك الحسين والجنة مثواه ، وكان الله في عون سيدنا الملك عبد الله الثاني ” حفظه الله وأطال في عمره ” ، وكان الله في عون ولي عهده المحبوب الحسين بن عبد الله . وتعداد الأردن يزداد طردياً ووصل اليوم إلى حوالي عشرة ملايين نسمة، وهموم الوطن والمواطن وفي مقدمتها الاقتصاد باقية تتحرك في ظل غياب وحدة العرب من محيطهم إلى خليجهم . والقضية الفلسطينية العادلة ما زالت تلقي بظلالها على الأردن لعدم توفر مخرج آمن لها ، و”صفقة القرن” ماضية إلى سراب في المقابل بجهد العرب وبكامل عمقهم الايدولوجي والسياسي والدولي ، وتعريف العرب لها بصك القرن التلقيني غير العادل ومن طرف واحد إسرائيلي أمريكي هو الأصح . والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية مع حق العودة والتعويض هو القادم بعون الله بهمة أهل فلسطين وقيادتهم الرشيدة، وبهمة الأردن وقيادته الحكيمة أيضاً، وبهمة كل العرب ساسة وشعوباً، وبجهد عالمي عادل مهما طال الزمن . وكما نقول في شرقنا ” ما بضيع حق وراه مطالب ” .والوصاية الهاشمية الأردنية التاريخية باقية شامخة وراعية للمقدسات في القدس منذ انطلاقتها عام 1924 من وسط عهد شريف العرب وملكهم الحسين بن علي . وغور الأردن -الغور الفلسطيني باق عربي يشكل جزءا لا يتجزأ من دولة فلسطين لا محالة ، و حراك كبار الاحزاب الإسرائيلية من ليكود وابيض ازرق لن يدفع إلا بأتجاه تصفير معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية والتي هي الآن في اسوأ أحوالها ، وسوف يلحق الضرر بمعاهدة سلام مصر مع إسرائيل حتى .كتب محمد حسنين هيكل في صدر مؤلفه ” العروش و الجيوش ” عبارة تختصر فكر الصراع العربي الإسرائيلي بكلمات معبرة حيث قال ” كان قيام دولة إسرائيل،وسط العالم العربي وفي قلبه هو الحدث الأكبر بالنسبة لشعوب الأمة وفوق أرضها على امتداد واتصال القرن العشرين .
إن الأمة قضت النصف الاول من القرن العشرين تحاول بكل وسائلها اعتراض ومنع قيام دولة إسرائيل . ثم أنهاقضت نصفه الأخر تحاول وبكل طاقاتها حصر هذه الدولة وضبط آثار وتداعيات قيامها . ولقد كانت الأمة العربية على حق افتقد الوعي أحيانا، وافتقدت الإرادة أحيانا أخرى، وافتقد كل من الوعي والارادة فيأحيان أخرى .واذا كان غروب القرن العشرين قد حل والطوق العربي من حول إسرائيل مكسور،والآثار والتداعيات المترتبة على ذلك فوضى في كل بقعة وركن . فإن التاريخ لم يصل إلى نهايته بنهاية القرن، مع أن هناك شرطين لازمين كي لا يتوقف الزمن العربي: الأول استعادة الوعي بوسائط المعرفة. والثاني استعادة الإرادة بوسائل العقل .
ولقد أبدع الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ” حفظه الله” في مجالات الترويج للسلام في المحافل الدولية، وفي مقارعة الإرهاب وتطويقه وهو الذي مس الداخل الأردني ، وأصاب الإقليم وخارطة العالم، وتميز في ضبط التعامل مع جائحة فايروس كورونا، وضرب مثلا على مستوى العالم. ونجح في التعليم عن بعد وسط الأزمة الحالية ذات الطابع العالمي . وطور بنيته التحتية على كافة المستويات التعليمية والتكنولوجية والطبية والعسكرية والأمنية وعلى مستوى الاقتصاد أيضاً . ووازن علاقاته الخارجية والدولية مع أقطار الإقليم والعالم وبما يتناسب والسياسة الخارجية للأردن ووفقا لمصالحه الوطنية والقومية ومنها الاقتصادية وعلى مستوى البترول . ولم يتضح للشارع الوطني حتى الساعة سبب حاجة الأردن لاستيراد مادة الغاز من إسرائيل في زمن وجود المادة في دول الجوار العربي ووسط عمقهم ، وهو الأمر الذي دفع بالتيارات والأحزاب والنقابات المهنية الوطنية وبالبرلمان الأردني لرفض استيراد الغاز من الكيان الاحتلالي الإسرائيلي. واعتبر تطبيعاً مبكراً في غير مكانه وزمانهبوجود معاهدة سلام لم تنل الرضا عنها شعبيا، وفي زمن عدم الانسجام الرسمي الأردني الإسرائيلي . لكن الأردن وبقيادة جلالة الملك تمكن من إعادة أراضي الباقورة والغمر إلى السيادة الأردنية بعد التخلص من شرط معاهدة السلام عام 1994 الذي منح الجانب الإسرائيلي سيطرة زراعية عليهما امتدت 25 عاما ، وتم رفع العلم الأردني عليهما ليبقى شامخاً على كل الأراضي الأردنية بعد تعافي الوطن . ومثلي هنا المختار على الجهد الملكي في الدعوة للسلام والحوار بين الأديان السماوية، وإعلان الحرب على الإرهاب والكراهية . والمضي قدماً في إسناد القضية الفلسطينية المركزية عبر بناء دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 كاملة السيادة و قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل بعد قبول الدول العربية والإسلامية حول العالم بها، هو خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أثناء تسلمه جائزة مصباح السلام في كنيسة اسيزي في إيطاليا عام 2019 . والأردن قدم كوكبة من الشهداء في حربه على الارهاب تقدمهم الشهيد البطل معاذ الكساسبة الذي هزت قصة استشهاده المجتمع الأردني والإقليمي والعالم . وإلى جانب الشهيد البطل راشد الزيود ، والشهيد البطلسائد المعايطة أسد قلعة الكرك الذين تنحني لهم جباهنا تقديرا واعتزازا ، وغيرهم من شهداء الوطن الأبطال أمثال الطيار فراس العجلوني بطل حزيران، وآخرون .