الدكتور محمد القرعان
لم يكن الاردن يوماً الا شوكة في حلق كل مؤامرة وعصا في دواليب الدسائس والمؤمرات التي تحاك من حوله، وتسهدف محيطه ومشروعه الوطني الكبير وترمي لابتعاث القلاقل والمحن في ساحته وفي حدود الجوار..
لم يكن عبثا استهداف الاردن في امنه وسلمه المجتمعي وهذا قدره منذ الازل؛ فهو يلاطم بكفه الاعاصير والزوابع، فمن عجز عن كسر ظهره بالقوة وخاب وخسر ، بغية اخضاعه والنيل من ارداته وسلب حريته؛ ينفدع الان بكل شروره وغيضه ويحاول خاسرا اتباع اساليب المكر والخداع – ودس السم بالسمن- والضغط عليه من حدب وصوب بالخبائث والمتعاطيات المدمرة للعقل والجسد الاردني المعطاء ؛ لكن والحمد لله هذا الحمى عصي على كل ما يحاك به من مكر لانزال السوء به وباهله فهو ذلك السد المنيع المرصوص بالنار للذود عنه وبفضل ايمان شعبه وانتمائه وولائه له. فكانت اليقظة حكم الموقف فتداعت اجهزتنا الامنية بوعي الاردنيين لتطهير ساحتنا الوطنية من كل دنية واذية؛ وما كانت المخدرات واتساع انتشارها حتى وصلت لمرحلة الزراعة الا لتتعدى قضية الاتجار والمتجارة الى غاية اكبر ، وهي هدر طاقات هذا الوطن وثنيه عن مشروعه وضربه في عمقه وجز خاصرته ؛ باستهداف فلذات اكبادنا (جيل الغد) وتميع ارادتهم؛ وامام هذه الحقائق التي يجب ان توخذ بالجد والحذر، ما يستوجب اهتمامنا كمواطنين واباء وامهات ومؤسسات واندية وهيئات ودور عبادة ..الخ ، بتوحيد الجهود ومناقضة تلك الغاية، والقضاء عليها بل وافشالها وردها على اعقابها خاسئة، وهي تبدأ بحقيقة الامر من الاسرة، بمراقبة ابنائها ومتابعتهم وتعديل سلوكهم والتعاون مع الجهات المختصة ان دعت الحاجة.
كما وتتطلب عملية مكافحة المخدرات والاستقواء على سيادة الدولة ومؤسساتها الفعالة في الاردن تضافر جميع الجهود بما فيها مؤسسات الدولة البرلمانية والصحية والتعليمية والقانونيةً والمجتمعية لتطبيق الأطر التي تهدف للتعامل مع المشكلة التي اخذت بالانتشار من جهة والاستقواء على القانون من جهة اخرى من قبل اشخاص وعصابات خارجة عن القانون كونها تهدر طاقات المجتمع وتتسبب بالاذى للسلم والامن المجتمعي. ومن ثم ، يجب أن تتبنى المؤسسات الحكومية استراتيجية شاملة تساهم في مشاركة الجهات الرئيسية الفاعلة لمعالجة هذه القضية والوقوف على حيثياتها وتفاصيلها عبر ادوات كثيرة. وينبغي أيضا على الإعلام الاهتمام بمعالجة هذه الظاهرة ورفع الوعي العام لتكوين رأي عام لتشخيص أسباب الظاهرة والعمل على مواجهتها إعلاميا.
علاوة على ذلك، يجب أن يكون هناك استثمار في التعليم والبحث العلمي لدراسة أسباب ارتفاع معدلات تعاطى المخدرات خلال السنوات الأخيرة ،وفتح مراكز مختصة في كل محافظة للاهتمام بالعلاج، على أن تكون مراكز عامة بعيدة عن مراكز العلاج النفسي لما تحمله هذه المراكز من معاني سلبية في ذهنية المجتمع الاردني ، وهو ما يتسبب في التقليل من تفاقم مشكلة علاج الإدمان الى جانب التوقف أيضا عن الاعتماد فقط على الإجراءات العقابية للحد من استخدام المخدرات والاتجار بها، كما يتوجب أيضا أن تعمل الحكومة على تحسين الوضع الاقتصادي ومعالجة أزمة البطالة المتزايادة ومشكلة الفقر وزيادة الوعي العام وتثقيفه لا سيما بين فئة الشباب، والتي تمثل أحد اهم العوامل التي تدفع الشباب الى تعاطى المخدرات أو الاتجار فيها ،على الرغم على الفقر والبطالة لم تكن يوما سببا في التعاطي والاتجار بالممنوعات لكن البعض يتخذها ذريعة ومدخل لتبرير حجم المشكلة وتفاقهما ولم تكن يوما من عادات المجتمع الاردني وطبائعه وقد مرت ظروف اقتصادية اكبر من هذه الظروف ولم يتعرض المجتمع الاردني مثل هذه الظاهرة.
وقد اسفرت جهود الأجهزة الأمنية بالتعاون مع المواطنين من خلال توجيه الحملات المكثفة ، خلال الايام القليلة الماضية عن استهداف البؤر الإجرامية شديدة الخطورة بنطاق واسع من محافظات المملكة، وضُبط خلالها ارهابين وتجار ومروجين ومتهمين بقضايا امنية مختلفة ومطلوبين ومصنف خطير، وبحوزتهم قطع سلاح واتجار بالمواد المخدرة وغيرها ، وقد نجحت هذه الجهود وأثمرت في المناطق التي نفذت بها . حتى الآن ، يبدو أن الحكومة تتعامل بشكل ملائم مع ظاهرة الاتجار في المخدرات ، حيث يتسع ردها على معاقبة المتورطين . وبالنسبة للأفراد الذين يتعاطون المخدرات أو يمتلكونها أو ينقلونها، وقد يكون احد اسباب عد اللجوء الى المؤسسات الصحية والنفسية والتأهيل للضحايا التعامل معهم كمجرمين، ما يدفعهم إلى الخوف وعدم اللجوء إلى هذه المؤسسات ، إلا بعد إلقاء القبض عليهم من الجهات الأمنية، لأن المتعاطي يعد مجرماً في نظر القانون.
يذكر أن بداية الحملات انطلقت بعد معلومات أولوية تحدثت عن وجود كميات كبيرة من المخدرات في مزرعة بمحافظة الكرك جنوبي الأردن، وتمكنت فرق مكافحة المخدرات من التعامل مع معلومات حول قيام مجموعة من الأشخاص بتجهيز كمية كبيرة من الحبوب المخدرة تمهيداً لتهريبها خارج المملكة.
وأخيرا،هذه مسؤولية جماعية مجتمعية ورسمية ينبغي تكاثف الجهود مجتمعة للحد منها والقضاء عليها حاصة المؤسسات التعليمية والجامعات والمدارس ودور العبادة والاندية والهيئات الشبابية والمراة وكل قطاع فاعل في هذا الاطار.