راكان السعايدة
الأردن والقضية الفلسطينية: هل يسيران في طريق مجهول .. ؟!
راكان السعايدة
يشتبك الأردن مع متغيرات القضية الفلسطينية، أو للدقة مع نتائج هذه المتغيرات، والأصل أن الأمتين العربية والإسلامية، تشتبك بذات القدر، أيضا، مع القضية المركزية، أم القضايا.
وقبل أن نقيم الاشتباك، وأثره على هذه المتغيرات، لابد، أولا، من فهم هذه المتغيرات وسياقاتها ومآلاتها فهما جيدا، فمنذ تولى ‘دونالد ترامب’ إدارة البيت الأبيض، وهو يحدث التغيير تلو الآخر، بنمط سياسي لم تعهده إدارات أميركية سابقة.
وقد أحدث أمرين جوهريين في مسار القضية: الأول: قراره أن تكون القدس، كل القدس، عاصمة لـ’إسرائيل’، وأتبع ذلك بنقل سفارة بلاده إليها. والآخر: وقف دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
في الأمرين، النتيجة، أن شطب ‘ترامب’ القدس من جدول أعمال قضايا الحل النهائي، وهي أكثر القضايا حساسية وخطورة، اتخذ قراره ونفذه متجاهلا المحاذير والتداعيات المحتملة.
وهو الآن بصدد شطب حق العودة، وربما لاحقا شطب حق التعويض، عبر إلغاء (الأونروا) التي يشكل وجودها رمزية مهمة حافظت على صفة اللجوء، الذي هو أيضا من قضايا الحل النهائي.
إذا نظرنا إلى الأمر بصورة أشمل، نجد أن أميركا وبدفع من ‘إسرائيل’ تلاعبت، سابقا، بكل مكونات القضية؛ الحدود، عبر مبدأ التبادل، والأمر ذاته بقضايا المياه، وغيرها من قضايا أساسية لإقامة الدولة الفلسطينية.
نسأل هنا ما هي الإستراتيجية الإسرائيلية- الأميركية لتمرير كل تلك التغييرات؟، الإجابة بسيطة، وهي أن الدولتين عملتا بطريقة خلق ‘الأمر الواقع’؛ تتخذ خطوة على الأرض، ثم تتوقف لتكريسها حتى تتعايش معها الأمتان؛ العربية والإسلامية، ومن ثم تنتقل إلى خطوة أخرى، وهكذا.
بمعنى، كان العربي والمسلم، يدعو إلى تحرير ما احتل عام 1948، وبعد ما احتل في 1967، تم نسيان 48 وسُلم بفقدها واقتصرت الدعوة على تحرير 67 وحتى هذه تم قبول تعديل أساسها بصيغة التبادل. وفي القدس كان الطلب إعادة كل القدس لتكون عاصمة لفلسطين من ثم اختصر الطلب بالقدس الشرقية، واليوم ذهبت الغربية والشرقية، وربما نكتفي بحيز على حوافها.
هذه السياق، الإسرائيلي- الأميركي، ينسحب على كل الشؤون الفلسطينية الأخرى من لاجئين ومياه وأمن وسيادة، أي نحن نتعايش مع ما يخلقه الاحتلال ونسلم به، وينتقل بنا من واقع إلى واقع، نتعامل معه كقدر لا سبيل لتغييره، ولا قبل لنا بذلك.
عمليا، ما يطلق عليه ‘صفقة القرن’ يستهدف، بالأساس، الوصول إلى النتائج الراهنة التي تم ويتم تكريسها على الأرض، وباتت من أمور الواقع غير القابلة للتغيير، وحتى لو تغيرت الإدارة الأميركية الحالية بإدارة أخرى، فلن يتغير شيء، فأي إدارة جديدة ستتعامل مع ما خلقه ‘ترامب’ وتبني عليه إستراتيجية عملها.
يخدم ‘إسرائيل’ وأميركا في ذلك ضعف عربي مفرط، وتهاون، ومكائد وخلافات بينية عميقة، وحسابات سياسية تصمم على حساب القضايا العربية الكبرى، أي أنا ومن خلفي الطوفان.
وحتى إسلاميا لم تبرز الدول الإسلامية ومنظماتها بشكل جدي وحقيقي لمواجهة تصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأس هذه الدول تركيا المشغولة بعملتها واقتصادها المتهاوي.
كيف نشتبك مع هذه الواقع، وما حدود القدرة..؟
في البدء، الأردن ليس دولة عظمى، بل دولة محدودة القدرات والإمكانات وتواجه واضعا اقتصاديا صعبا ومعقدا، ووضعا سياسيا أيضا صعبا ومعقدا، داخليا وخارجيا، ومع ذلك يشتبك الأردن مع الملف الفلسطيني بكل قوة وتصميم.
يشتبك مع الملف الفلسطيني بوصفه الملف المركز، والأولوية القصوى، لإدراكه أن تداعي هذا الملف سيكون له انعكاساته الخطيرة على الأردن والمنطقة، ويذهب بالحق الفلسطيني إلى غير رجعة، ويضع الأردن أمام استحقاقات غاية في الخطورة.
لذلك يرفض الاردن، بالكلية، أي تغييرات على القدس والمقدسات، وعلى ‘الأونروا’، ويرفض أي شكل من الوحدة مع فلسطين، أكانت فدرالية أم كونفدرالية، قبل أن تقام الدولة الفلسطينية.
وأي مراقب، منصف، يلحظ الموقف الأردني، السياسي والدبلوماسي، ونشاطه المستمر في محاولة لعكس مسار الأحداث، والاتجاهات السياسية الأميركية والإسرائيلية، لكن هذه النشاط لا يعني أن بمقدوره عكس المسار الأميركي- الإسرائيلي بدون موقف عربي وإسلامي جدي وحقيقي وعملي.
فالأردن يفعل كل ما يفعله مكشوف الظهر، عربيا وإسلاميا، وهذه حقيقة لا تنكرها عين مراقب ولا بصيرة سياسي، وما يصدر عن دول عربية وإسلامية من مواقف علنية مناوئة لمشروع تصفية القضية، يُقابل، في السر، بمواقف مناقضة، أو متهاونة وربما متآمرة.
اليوم، أغلب الدول العربية الفاعلة، لم تعد مشكلتها ‘إسرائيل’، بل إيران، والأخطر أن من هذه الدول من ترى أن ‘إسرائيل’ حليف موضوعي في مواجهة إيران، و’إسرائيل’ تستثمر في ذلك لتمرر أجندتها السياسية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
ومن الدول العربية والإسلامية، أيضا، المشغول بظروفه السياسية الاقتصادية الداخلية، وتشكل هذه أولويته الرئيسية، مع أن الأصل ألا تؤثر هذه الأولوية على أولوية الأمتين العربية والإسلامية، أي فلسطين، وحق الشعب الفلسطيني بأرضه ودولته.
عمليا، القضية الفلسطينية، الآن، تحت التصفية والشطب، والرهان على الدول العربية والإسلامية، منفردة أو عبر جامعتها، أو منظماتها الإسلامية رهان خاسر، وهي لن تفعل أكثر من الشجب والإدانة، والرهان الحقيقي على الشعوب التي ربما، رغم التدجين والإخضاع، يمكنها أن تقلب الطاولة، والبداية من الضفة الغربية وقطاع غزة.
إجمالا، الأردن يعلم أنه والقضية ربما يسيران في طريق مجهول تملؤه مخاطر متخيلة وغير متخيلة، وأخشى ان القادم أسوأ مما نتوقع..