الدكتورة وفاء العواملة
أما وقد إنقضت الإنتخابات النيابية ، وهو استحقاق دستوري ضمن استراتيجة الإصلاح السياسي الأردني ، حيث أفرز هذا الإستحقاق مجلس نيابي ربما يعد شعبيا مقبولا في تركيبته ، من حيث التنوع فها نحن نرى اليمين واليسار ، والثقل العشائري ، ولا ننسى أيضا دخول المعارضة الإسلامية المعتدلة التي افتقدتها المجالس النيابية السابقة لفترة ربما تعد طويلا من الزمن ، وهو ما يجعل سمة التفاؤل تطفو على السطح بين أطياف المجتمع الأردني من أجل إصلاح الإختلالات والتشوهات التي خلفتها المجالس النيابية السابقة ، وعلى وجه الخصوص المجلس السابع عشر ، إلا أنه يلوح بالأفق حتى اللحظة تفاؤل حذر وحذر جدا …بإنتظار ما ستتبلور حوله الأحداث حال انعقاد جلسات المجلس الثامن عشر ، ونحن بإنتظار أن تعقد أولى جلسات المجلس النيابي الجديد لكي تتبلور الأمور وتتضح الرؤيا ونقرأ الخارطة السياسية الإصلاحية القادمة للمجلس والحكومة على حد السواء ، بناءا على خطاب العرش ، والذي سيتقدم به جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه في إفتتاح الدورة العادية للمجلس الثامن عشر الشهر المقبل ، ولعل الشعب الأردني الآن بإنتظار أن يتم الإفراج عن منظومة الإصلاح السياسي الثانية وإحدى ركائز الإصلاح الإداري والتي تتمحور حول اللامركزية الإدارية ، إذ أشار لها جلالة الملك في أكثر من مناسبة وفي أكثر من حديث أو خطاب حول أهمية تطبيق نظام اللامركزية في الأردن لأنها أساس الرقي السياسي والإداري لأي دولة ولعل من المفيد في هذه العُجالة أن نوضح للقارئ الكريم معنى ومفهوم اللامركزية الإدارية والمتعلقة بتعزيز حكم الإدارة المحلية وتحقيق الديمقراطية الإدارية وصولا إلى الديمقراطية السياسية ، فمصطلح اللامركزية يعني نقل الإختصاصات والصلاحيات الحكومية المركزية إلى إدارات محلية على شكل حكومات مصغرة محلية أو مجالس حكم محلي تُعنى بتقديم الخدمات العامة وتنفيذ سياسات الدولة وحماية الصحة العامة والبيئة وإتخاذ التدابير اللازمة لها والتنسيق بين الإدارات في حالة الطوارئ عن طريق تفويض السلطات وتعزيز المشاركة الشعبية .
فاللامركزية الإدارية تنطوي على إيجابيات نذكر منها :-
1- معالجة الإختلالات والتشوهات التي طالت مجالس البلديات وإداراتها عن طريق إقصائها وتهميشها لبعض المناطق أو بعض الفئات ، فهي تعمل على تعزيز المشاركة الشعبية في إدارة شؤون المحافظة وإدارة عجلة تنميتها بشكل صحيح ومتوائم مع الإحتياجات الضرورية لكل محافظة وتسعى لتقليص الهوة ما بين الأفراد والإدارة وذلك عن طريق إشراكهم في إتخاذ القرارات التي تخص محافظتهم من خلال مندوبيهم الذين قاموا بإنتخابهم .
2- إزالة العبء عن النواب من حيث تخفيف وطأة المطالبة بالإحتياجات الخدمية والحياتية ، وتفريغ النواب لإختصاصم الأصيل ألا وهو الرقابة والتشريع .
3- تخفيف الضغط على إدارة المركز من خلال تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الصلات بين الأفراد بالمجالس المحلية التي إنتخبوها والتي هي أقرب ما تكون من تلمُس إحتياجاتهم ومتطلباتهم الخدمية وتحقيق آمالهم الحياتية بشكل أفضل .
4- تشجيع الإستثمار عن طريق تنمية المحافظات كل حسب إحتياجه ضمن موازنة معدة ومدروسة جيدا … نأمل بأن تكون ذات إستقلال مالي حقيقي عن المركز من أجل خلق روح التنافس الحر بين مجالس المحافظات وإقامة المشروعات التنموية المشتركة ربما للحد من الفقر والبطالة عن طريق تحويل جزء من الميزانية الرئيسة في الدولة إلى إدارة المجلس المحلي وذلك بإضفاء نوع من الحرية الإقتصادية لكل مجلس في كل محافظة.
وأما السلبيات التي تُقرأ ربما بين ثنايا قانون اللامركزية فقد تكون :-
1- لا يوجد أعتقاد حقيقي لمصطلح اللامركزية الإدارية في المجالس المحلية بسبب عدم وجود الإستقلالية المالية لهذه المجالس وهذا ينعكس سلبا على تحقيق فرص التنمية المستدامة للمحافظات ويقلل من فرص تحقيق الإكتفاء الذاتي لكل محافظة ويحد من إستثماراتها المحلية .
2- إن الموازنة المالية للمجلس المحلي محددة بسقف مالي معين تحدده وزارة المالية ، بمعنى هناك تقييد للمجلس وعدم إعطاءه مساحة كافية للإنفاق على المشاريع والإحتياجات الخاصة بمحافظته .
3- هناك خلاف وجدل واسع ما زال قائما حول التبعية للمجالس !!! فبحسب القانون فإن هذه المجالس تتبع لوزارة الداخلية !!!! والبعض يجتهد و يقول تتبع لوزارة البلديات !!! وآخرون يلحقون التبعية لرئاسة الوزراء !!! فما زالت الرؤيا ضبابية في مسألة تبعية المجالس وبحاجة ماسة إلى توضيح وتحديد …فلو فرضنا جدلا أن ثمة نزاع أو خلاف حدث ما بين مجلسي المحافظة حول نقطة ما !! تُرى من هي الجهة المخولة بالنظر لحسم هذا الخلاف ؟؟؟ هل هي وزارة الداخلية ؟؟؟ أم أن الوزارة ستُحيل هذا النزاع إلى رئاسة الوزراء ؟؟؟ وهل أن وزارة الداخلية لديها المكنة الفنية والإدارية وتمتلك أجهزتها الخبرة الكافية في تفنيد مآلات هذا النزاع ؟؟؟
4- بالنظر إلى الصلاحيات والسلطات الواسعة التي أضفاها هذا القانون على إختصاصات المحافظ كونه يرأس المجلس التنفيذي والذي أعضاءه معينين تعينا فمن يملك سلطة الرقابة عليه وعلى القرارات التي سيتخذها إذا ما علمنا بأن المجلس المحلي لا يملك أي سلطة رقابية عليه أو حتى مساءلته أو استجوابه على غرار مجلس النواب الذي يملك كل هذه الصلاحيات على الوزراء ورئيس الوزراء؟؟؟؟
5- يعمل قانون اللامركزية على تعزيز صلاحيات المحافظ كما ذكرنا آنفا إذ أنه يرأس المجلس التنفيذي ويعمل بالتساوي مع مجلس المحافظة !!!!!! وهذا بطبيعة الحال بحاجة إلى إعادة النظر في هذه النقطة تحديدا فكيف يكون المحافظ تارة مستقلا … ويعمل مع جهتين تارة أخرى ؟؟؟؟ ويُرجح القانون كفة المحافظ رئيس المجلس الذي يتولى رئاسة مجلس منتخب وهذا يُعدم الثقة بالديمقراطية و يقلص المشاركة الشعبية المنشودة والتي هي أساس الإصلاح الإداري والسياسي لأي دولة.
6- في حال نشوب نزاع بين مجلسي المحافظة فإنه بحسب القانون صاحب الولاية بحسم هذا النزاع هو رئيس الوزراء ويكون قراره ملزما في المسألة الخلافية !!! فكيف تكون لقرارات رئيس الوزراء السمو على قرارات مجلس المحافظة ؟؟؟؟ وأين هي اللامركزية الحقيقية في ذلك ؟؟؟؟
7- يُخشى من أن تكون الإدارة اللامركزية مجرد ضابط إرتباط ما بين الدوائر الأخرى أو وسيط !!! وقد يؤدي هذا إلى زيادة الترهل الإداري الذي تعاني منه الإدارات أصلا وأيضا زيادة الأعباء الإعدارية والمالية على الإدارة المركزية !!! لذلك لا بد من الإستقلالية الحقيقية لهذه المجالس لتحقيق الغاية والهدف المنشود منها وإنشاء وزارة تُعنى بشؤون الحكم المحلي على غرار وزارة الشؤون الخارجية أو وزارة الشؤون الإقتصادية .
8- لا يوجد تصور واضح لإختصاصات أعضاء المجالس المحلية حتى اللحظة أو آلية انتخابهم أو آلية التعيين لمن سيتم تعينهم ، كما أنه مطلوب زيادة الوعي لدى هؤلاء الأعضاء من أجل دعم ممارسة الديمقراطية واختيار أعضاء أكفياء قادرين على مواجهة التحديات في محافظاتهم ولديم إلمام كبير وفي التخطيط للمشاريع الإستثمارية والتنموية لمحافظاتهم من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي لكل محافظة .
في النهاية لا نريد أن نكون سوداويين في الطرح ولا متشائمين ، فالأمل والتفاؤل يلوح بالأفق وهذه خطوة حقيقة في طريق الإصلاح السياسي والإداري الذي طالما آراده جلالة الملك عبدالله ابن الحسين حفظه الله ورعاه وسعت إليه حثيا فئات وشرائح واسعة من أبناء وبنات مجتمعنا الأردني … فالأمل معقود على مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية بأن لا تبخل على مجتمعاتها من حيث عقد الندوات وورش العمل والتدريب والتثقيف حول الإصلاح السياسي والإداري القادم وهو اللامركزية من أجل تعزيز المشاركة الشعبية وإفراز أعضاء أكفياء قادرين على مواجهة التحديات التي تُحدق بمحافظاتهم واتخاذ القرارات المناسبة حول المشاريع والخطط التنموية ، وأيضا إجراء عصف ذهني للأمور الخلافية سواء أكانت قانونية أم إجرائية من حيث الرقابة والولاية المالية وحل النزاعات وما هي آلية المحاصصة في توزيع المستحقات المالية لكل محافظة ؟؟؟ وما هو السند القانوي في آلية التوزيع ؟؟؟ وماذا لو اكتفت إحدى المحافظات واستكملت مشاريعها ولم تعد بحاجة لدعم مالي !! فأين سيذهب هذا الجزء المخصص لها وما هي أسس وآلية توزيعه على المحافظات ذات الإحتياج الأكبر ؟؟؟؟ كل هذه الأسئلة والإستفسارات مطروحة أمام أصحاب الإختصاص وأصحاب القرار…. وأيضا الرأي العام من أجل تدارسها وتوضيحها لأبناء المجتمع المحلي .